أهمية المختبرات السردية في منطقة الخليج: مختبر السرديات العماني نموذجا[1]
منى بنت حبراس السليمية
"لوهلة بدت كلمة (مختبر) ناتئة ومقحمة على كلمة (السرد)، وعلى الأدب عموما إذا أردنا أن نجعل لكل فن من فنونه مختبره الخاص، فلم تستسغ الأذهان دخول لغة العلوم الطبيعية التي تمثلها كلمة (مختبر) إلى الفنون القولية، على الرغم من أنها لم تكن سابقة في عمان عندما تم تدشين مختبر السرديات العماني في سبتمبر من العام الماضي، فهناك مختبرات عدة للسرديات في العالم العربي (الإسكندرية، والدار البيضاء، وتونس، ...)، [وبعد قليل، اليمن، والأردن، والآن: الكويت]، و[تتوالد] هذه المختبرات في ظل هيمنة الأجناس السردية [عموما] - والرواية خصوصا - على دائرة التلقي العربي [بشكل عام]، وإن كانت هذه الهيمنة لا تكاد تخرج عن نطاق الفورة الإعلامية، وبروز النقد الصحافي على نحو مهول، في ظل تراجع الدراسات الجادة في الأعمال الأدبية"[2].
من الجملة الأخيرة آنفا، استشعر خمسة من كتّاب السرد في عمان والمهتمين به – وغيرهم آخرون – بأن عليهم واجبا تجاه السرد العماني، فقرروا أن يفعلوا شيئا إزاء النتاج المتنامي منه وما يقابله من شح في الدراسات النقدية الجادة، فاجتمع الخمسة معلنين عن رغبتهم في تأسيس كيان يتخذ من مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية نموذجا للبناء عليه، وجعلوا من مؤسسة بيت الغشام للنشر والترجمة والتوزيع والإعلان مظلة قانونية له، التي لحسن الحظ، وربما بترتيب من القدر نفسه، أن أحد الخمسة مديرُها، فأطلقوا على حلمهم اسم (مختبر السرديات العماني).
وقد أعلن المختبر عن رؤيته المتمثلة في: "الوصول بالسرد العماني إلى مستوى عال من الجودة يمكّنه من المنافسة العربية والعالمية"[3]. أما رسالته فهي السعي "إلى تجويد النتاج السردي العماني من خلال حلقات العمل، وتبادل الخبرات مع الكتّاب من الدول المختلفة، والقراءات النقدية، والعمل على إشهار السرد العماني والترويج له من خلال وسائل الاتصال المختلفة والمشاركة في المؤتمرات والملتقيات والفعاليات والمسابقات الأدبية ذات الصلة"[4].
واقع السرد في الخليج وأزمة النقد:
نجمع جميعنا، شرقَ وطننا العربي ومغربه، أن النقد يعيش في أزمة، أزمة هويته، وأزمة عجزه عن إنتاج أسئلته الخاصة، واجتراره للنظريات الغربية وزراعتها قسرا على عواهنها في أرض غير أرضها، ولن تكون منطقة الخليج إلا جزءا من السياق النقدي العربي العام، وقد بات معلوما بأن طفرة كمية حدثت في الإنتاج الإبداعي عموما، والإبداع السردي خصوصا في العقدين الأخيرين في منطقة الخليج العربي، أدت إلى وفرة في الأعمال السردية من قصة قصيرة، ورواية، وقصة قصيرة جدا، ونص مفتوح، مع سيادة واضحة لجنس الرواية على سواها من الأجناس السردية بل على الأجناس الأدبية عموما، ولن أخوض في هذه العجالة في عوامل ذلك وأسبابه.
ولن يكون من الحكمة تتبع المنجز النقدي سرديا في الخليج على عمومه، في ظل غياب الدراسات – كما أعلم – عن هذا الخطاب في الأقطار الستة مجتمعة، بل أجدها منجاة أن أقصر الحديث عن أداء النقد في عمان، التي بالضرورة لا تختلف عن غيرها خليجيا وعربيا، فحتى عام 2008م لم يكن هناك خطاب نقدي عن الرواية (تحديدا) في عمان بنحو علمي صريح، إلى أن أقام المنتدى الأدبي أول ندوة في الرواية العمانية في أغسطس من عام 2008م حملت عنوان "الرواية العمانية: النشأة والتطور" ضمت ثلاث أوراق عمل، ولكن أعمال هذه الندوة ستستغرق ثلاث سنوات أخرى حتى ترى النور في كتاب مطبوع في عام 2011م، وهو العام نفسه الذي شهد طباعة أعمال ندوة أخرى، هي "نقد النقد في عمان" التي أقيمت في العام 2008م أيضا، بيد أن المطلع على أعمال هذه الندوة سيجد أنها تخلو من أي محور عن نقد الرواية، مما يعطي مؤشرا بأن الخطاب النقدي الروائي في عمان لم يكن له وجود قبل هذا التاريخ، وكل ما وجد لم يكن أكثر من دراسات لا تسبر أغوار الأعمال المنجزة فنيا، بقدر ما تقتصر في تناولها على معاينة الثيمات العامة.
ولكم أن تتخيلوا البون الزمني بين أول رواية عمانية منشورة في العام 1981[5]، وهي رواية الشراع الكبير لعبدالله الطائي - رغم ما تشير إليه بعض المراجع من أن أول رواية عمانية كتبت في العام 1963م[6] - وبين طباعة أول جهد نقدي في العام 2011م. ومنذ مطلع الثمانينيات وحتى الآن، شهد النتاج الروائي صعودا كميا وبوتيرة مضاعفة، فقد أحصى الدكتور شبر الموسوي "30 رواية منذ عام 1963 وحتى العام 2007م، [وأحصى] حمود الشكيلي 60 رواية حتى العام 2012م[7]، مما يعد كافيا للتدليل على الزيادة الكمية في عدد الروايات، فما تم إنجازه في قرابة نصف قرن تقريبا – حسب الموسوي - أنجز مثيله في خمسة أعوام فقط، يضاف إليه ما أحصاه "سليمان المعمري" من روايات صدرت خلال العام 2013م منفردا، مشيرا إلى أن قرابة 13 رواية جديدة وجدت طريقها إلى القارئ العماني والعربي في ذلك العام وحده[8]، وهو رقم قد يبدو ضئيلا في سياقات خليجية وعربية أخرى، غير أنه رقم ملفت في السياق الروائي العماني على نحو خاص"[9].
"ورغم الجهود التي يبذلها الأشخاص المشتغلون في الحقل النقدي في عمان، وإسهاماتهم البحثية والنقدية – المقدّرة - التي تطالعنا بها الملاحق الثقافية والمجلات الدورية بين الفينة والأخرى، وكذلك الإصدارات النقدية هنا وهناك، فضلا عن الجهود والمبادرات التي تنهض بها المؤسسات الثقافية كالنادي الثقافي، والجمعية العمانية للكتّاب والأدباء، والصالونات الأدبية التي بدأت تنشط في الآونة الأخيرة بعقد ندوات وجلسات نقدية في النتاجات الأدبية، أقول على الرغم من تلك الجهود إلا أن الحركة النقدية في عمان ما تزال دون النشاط الذي نطمح إليه، وهو قول يصح إطلاقه على المشهد العماني وعلى غيره من المشاهد الثقافية، فليست عمان بمختلفة عن غيرها من الأقطار العربية في هذا النقص، وما مقولة الدكتور صلاح فضل بأننا "نعيش زمن المجاعة النقدية" إلا دليل على ثبوت فرضية القحط النقدي الذي يستلزم الوقوف عنده بحثا في تحدياته لتفكيكها ومعالجتها"[10].
وأمام سؤال: ما الذي قدمناه من أجل إيجاد حركة نقدية فاعلة وصناعة ناقد عماني؟ كان الطريق إلى تأسيس مختبر السرديات العماني، خطوةً عملية تشعل شمعة عوضا عن لعن الظلام، ولأننا نؤمن بالتخصص، كان السرد مادة للمختبر وموضوعه، الذي شجع الشعراء في الجانب الآخر، فأسسوا مجلسهم الذي يتبع الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء.
أهمية مختبر السرديات:
أهمية مختبرات السرد تنبع من تمثل المسمى، بكونه مختبرا، وليس ناديا ولا أسرة أو مجموعة، لأسباب تقرنه بأهدافه المباشرة الرامية إلى الفحص والتحليل والمعاينة، إذ "تعمد فكرة المختبر إلى استنطاق مكامن الجدة التي تطرحها النصوص ليس على مستوى الموضوعات وحسب، بل على مستوى المعمار والرؤية الفنية والمعرفية والإشكالات التي تثيرها هذه النصوص عن طريق فحص معانيها، وتحليل خصائصها الجمالية، ومعاينة التطور الحاصل على مستوى إنتاجية السرد في عمان، باستثمار دلالات (المجهر) الذي يروم الحفر في الأبعاد الاحتمالية التي تكشف عنها الاستعارات الكلية للنصوص من جهة، والكشف عن نظريات توسع الجنس الأدبي نفسه من جهة أخرى، خاصة أن أجناس السرد، والرواية منها على نحو خاص، تظل أجناسا مفتوحة لا نهائية، وهذه الدلالات تتيح للناقد أن يصل فيها إلى مواطن الجمال والقبح، وإضفاء طابع القيمة عليها، وهذه هي وظيفة النقد الأدبي التي تفرّقه عن وظيفة رجل المختبر مع مواده الكيميائية مختبِرا مكوناتها ومحللا عناصرها. بيد أنه يأخذ من هذا الأخير صفة (العلمية) التي يجب أن يتسم بها النقد الأدبي في محاولةٍ للنأي به عن الانطباعية والمجاملات غير المستندة إلى منهجية علمية دقيقة؛ لأنه يدرس الآليات التي تتحكم في إنتاج هذه النصوص، وهذه الآليات لا يمكن الوصول إليها دون معرفة مسبقة بتاريخ الأجناس الأدبية، ومنطق التفاعل بينها، وتاريخ نشوئها، ونظرياتها ومناهجها. كل ذلك يروم تحقيق مناخ نقدي فاعل وحقيقي يواكب الإصدارات السردية في الرواية، والقصة القصيرة، والقصة القصيرة جدا في المشهد الثقافي العماني"[11].
"بيد أن الأمر إذا كان في شق منه يتمثل في نقد الأعمال السردية، شريطة أن يكون نقدا حقيقيا يتجاوز أشكال النقد الاحتفائي كشرط يصب في مصلحة السرد ونقده معا، فإنه – وبالمعنى التفاعلي وفقا لكيمياء الكتابة – وسيلة لإنتاج السرد في الشق الآخر منه، وليس مجرد سبر لسرد مُنتج، وما سبيله إلى ذلك إلا بورش الكتابة السردية، التي تسهم في تجاوز مفهوم الإلهام في الكتابة، لتنخرط به بنحو عملي في الممارسة الواعية التي تستفيد من خبرات سابقة لا لتفرض توجهها الكتابي بقدر ما تقترح الرؤى، وتفتح آفاق الإبداع سعيا لمرحلة أكثر نضجا في الكتابة الإبداعية؛ لأن السرد في نهاية الأمر هو صناعة تحتكم إلى معرفة عميقة بالحياة وبالأدب وتحولاتهما على مستوى الشكل والمضمون"[12].
وقد جعلنا من أهداف المختبر[13]:
- تفعيل الجانب النقدي في الساحة السردية العمانية من خلال عقد الجلسات النقدية والنقاشية.
- تأسيس قاعدة بيانات للنتاج السردي العماني تضم النتاج السردي العماني والدراسات البحثية والنقدية ذات الصلة.
- إنتاج أنطولوجيا للكتاب العمانيين في السرد.
- الاهتمام بإعداد جيل جديد من كتاب السرد من خلال حلقات العمل المتخصصة في الكتابة الإبداعية ومن خلال استضافة كتاب متحققين من عمانيين وعرب.
- الدفع بالكاتب العماني للمشاركة في الملتقيات والمؤتمرات السردية داخل السلطنة وخارجها.
- العمل على إيصال النتاج السردي العماني للتنافس في مختلف الجوائز العربية.
وسأقول: ثمة أهمية أخرى لمختبرات السرد لا تتكشف إلا بعد الممارسة العملية، منها توقع الاستمرارية التي لن تقنع بالتوقف مادام الإنتاج السردي مستمرا ولن يتوقف هو الآخر، علما أن الكاتب سيكتب سواء وجد التتبع النقدي لما يكتب أم لم يجد، فلم يحدث أن كان غياب النقد مانعا عن الكتابة الإبداعية، وبما أن البديل المتخصص في الجنس السردي غائبا – باعتبار النادي الثقافي والجمعية العمانية للكتاب والأدباء والصالونات الثقافية كلها كيانات تعنى بالثقافة عامة وليست حصرا على جنس إبداعي بعينه – ستبقى الحاجة ملحة لوجود مختبر السرديات، أو لأي كيان شبيه يقوم بأدواره أو أفضل منها، لأن المختبر (بوصفه فكرة تجسدت) مكتسبٌ لا يمكن العودة عنه ما لم يتوفر البديل الذي يسد النقص ويرتق القصور وفق إمكانياته المتاحة، التي هي الأخرى مطالبة بالبحث عما يرتق قصورها.
التجارب السابقة خليجيا وعربيا:
ليس مختبر السرديات العماني سابقا في تجربته، كما تقدم، فهناك مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية الذي تأسس في العام 2008م، ومختبر السرديات في تونس، وآخر في الدار البيضاء بالمغرب، وإن كان هذان الأخيران يتمتعان بإدارة أكاديمية صرفة، ويتبعان مؤسسات جامعية، على خلاف مختبري السرديات العماني والمصري اللذين يقومان على جهود أهلية تطوعية، ويتولى إدارتهما كتّاب ومهتمون بالسرد كتابتِهِ ونقده.
وفي 11 من نوفمبر الجاري تم الإعلان عن تأسيس مختبر السرديات اليمني، ثم بعد تسعة أيام، في العشرين من الشهر نفسه، أعلن الدكتور منير عتيبة مدير مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية عبر منشور في صفحته على الفيسبوك، أعلن عن اتفاق بينه وبين الدكتور حسين دعسة ومفلح العدوان على تأسيس مختبر السرديات الأردني، وها نحن اليوم في الـ 25 من الشهر نفسه نشهد تأسيس مختبر السرديات الكويتي، ليكون الثاني خليجيا إذا ما استبعدنا وحدة أبحاث السرد في السعودية نظرا لطابعها الأكاديمي وعدم اعتمادها مسمى مختبر.
فإذن، نحن الآن، أمام خمسة مختبرات عربية ذات طابع أهلي في كل من: الإسكندرية، وسلطنة عمان، واليمن، والأردن، والكويت، واثنين آخرين يحملان طابعا أكاديميا في تونس والمغرب، ووحدة لأبحاث السرد في السعودية. مما يعني أننا خليجيا أصبح لدينا مختبران يحملان المسمى نفسه و(ربما) الأهداف ذاتها: العماني والكويتي.
هذا كله يجعلني أستحضر الفكرة (الحلم) التي طرحها الدكتور منير عتيبة - مدير مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية - لدى زيارته للسلطنة إبان احتفال مختبر السرديات العماني بمرور عام على تدشينه، بأن فكرة إنشاء اتحاد لمختبرات السرد العربية باتت قريبة، ولعلي أطرح سؤالا استباقيا بأميال ضوئية من رحم عنوان هذه الندوة "أهمية المختبرات السردية في منطقة الخليج": هل يمكن أن يقوم اتحاد خليجي لمختبرات السرد بين دوله؟ أدرك أن سؤالا كهذا لا يزال مبكرا الحديث عنه، ولكن الحديث عن الأحلام مشروع جدا، ما دمنا سنتحدث بعد قليل عن التصورات والطموحات، كما قد يشجع هذا كلا من البحرين والإمارات وقطر على تأسيس مختبرات مماثلة.
وأحسب أن الحديث عن التجارب السابقة عربيا وخليجيا لا يمكن أن يمر دون التعريج على ما يمكن أن تسهم فيه هذه المختبرات مجتمعة في خدمة السرد في بلدانها، وتعزيز التعاون وتنسيقه فيما بينها، فسأعرج على حدث مهم حصل بين مختبر السرديات العماني ومختبر السرديات في مكتبة الإسكندرية في أبريل الماضي، وهو توقيع مذكرة تعاون بين الجانبين، وبناء على هذه الاتفاقية، حصل مختبر السرديات العماني (مثلا) على مقعدين مجانيين في ورشة الكتابة الروائية التي نفذها مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية في سبتمبر الماضي، وهي المرة الأولى التي يتيح فيها مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية مشاركة غير المصريين في الورش والدورات المقامة في إطاره، وقد حضرها من العمانيين، القاصان: حسام المسكري، وأمل السعيدية. كما نفذ المختبران قراءات نقدية تبادلية في البلدين، إذ ناقش مختبر الإسكندرية رواية "الشويرة" لمحمد بن سيف الرحبي، وناقش المختبر العماني رواية "موجيتوس" لمنير عتيبة.
وسأختم هذا المحور بالقول: إن تشجيع تأسيس مختبرات السرد في دول الخليج، سيشكل مهادا لتنسيق الجهود وتوحيدها بما يخدم السرد في الخليج عموما، كما سيسهم في تنويع الأنشطة وإتاحتها للساردين والنقاد من كل الدول التي (سـ) تنخرط في مشروع اتحاد مستقبلا، بعد أن تتأسس مختبرات للسرد في كل قطر خليجي.
التطلعات والتصورات
عندما أكمل مختبر السرديات العماني عامه الأول في سبتمبر الماضي، كان لابد له من محطة تقييم أولى، قبل أن يرسم مسارات الخطط القادمة. وعندما تأمل ما أنجزه خلال عام مضى، وجده متمثلا في ثمان جلسات نقدية تنوعت ما بين رواية، وقصة قصيرة، وقصة قصيرة جدا، ونص مفتوح. وفي المقابل كانت حصيلته من الورش التدريبية ورشة واحدة فقط في لغة الكتابة السردية، وهو إنجاز معقول خلال مسيرة عام بميزانية مالية متواضعة، وإن كان الواقع يطالب على الدوام بالأكثر والأوسع، لذا يعكف المختبر في خططه القادمة على تحقيق توازن المعادلة "القائمة على اختبار السرد من جهة، وإنتاجه من جهة أخرى، بما يجعل من (مختبر السرد) مكملا لـ (سرد المختبر)، [كواحدة] من استراتيجيات النظر في مستقبل الكتابة السردية"[15]، فقد بدا جليا وفي أكثر من سياق ثقافي عام، أن الحاجة إلى "مثل هذه الورش باتت ملحة في غير برنامج، وفي غير محفل، فعلى الأقل سيجد الراغبون في الكتابة بأنواعها عينا خبيرة توجه خطواتهم الأولى وتحفز طاقاتهم الكتابية ومكامنها، من خلال تكريس مسؤولية الكتابة الإبداعية التي لم تعد تعترف بالمحركات الغيبية غير القابلة للضبط، وإنما شأنها شأن أي صناعة تستدعي الوعي والإتقان والاختلاف والنظر"[16]
كما وجد المختبر نفسه معنيا بمراجعة أهدافه قياسا للواقع الذي كان بمعطيات تختلف عن الأحلام لحظة وضع التصور الأول من جهة، والسعي في قادم الوقت إلى تجاوز عدد من التحديات التي لم تكن منظورة لحظة صياغة الأهداف من جهة أخرى، ومن تلك التحديات، الحاجة الماسة إلى بدائل تمويل، تمكنه من تنفيذ مشاريعه التي تأجل بعضها للخطط القادمة. ولأنه لا يمكن الحديث عن طموحات قبل التعريج على التحديات، فإن التحديات التي واجهها المختبر خلال عام من العمل تلخصت في الآتي:
- ضعف الدعم المالي، الذي سيعمل المختبر على إيجاد بدائل تضمن تنفيذ مشاريعه وخططه كما تقدم.
- المزاج الثقافي العام للأفراد من المثقفين الذي يجعل التعامل في كثير من مناسباته يتخذ شكلا من الحساسية والحذر.
- قلة المشتغلين في الحقل النقدي في مقابل الكم الهائل من الإصدارات السردية؛ ولكم أن تتخيلوا جهود التنسيق مع مقدمي القراءات لجلسة الاثنين الأخيرة من كل شهر.
- عدم تفرغ أعضاء مجلس الإدارة، وانشغالهم بأعمال رسمية، ومشاريع كتابية خاصة.
أما مشاريع المختبر القادمة فيحسن إجمالها في الآتي:
- تدشين موقع مختبرات السرديات الإلكتروني على شبكة الإنترنت الذي دخل مراحله الأخيرة، بما يشمله من قاعدة بيانات للنتاج السردي العماني والدراسات البحثية والنقدية ذات الصلة.
- تدشين العدد الأول من الكتاب السنوي للمختبر خلال معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته القادمة في فبراير 2016، وسيضم بين دفتيه القراءات النقدية التي قدمت خلال العام الأول.
- إنتاج أنطولوجيا للكتاب العمانيين في السرد، التي يتوقع أن تكون بين يدي القراء خلال معرض الكتاب أيضا.
- إعداد جيل جديد من كتاب السرد من خلال حلقات العمل المتخصصة في الكتابة الإبداعية ومن خلال استضافة كتاب متحققين من عمانيين وعرب.
- تنظيم أول ندوة للمختبر، التي قد يكون من المناسب إعلان تفاصيلها بعد الاعتماد النهائي لتصورها، وصدور الموافقة على تنفيذها قريبا.
ختاما:
تذوب التحديات وسط الاحتضان المُحب، فما من حلم لا تكتنفه الصعاب، وما من محطة وصول دون طريقٍ للمسير، وإذا كان من شروط الطريق بعض العثرات، فلقطع الأشواط لذة وبهجة لا يعرفها إلا ما يلوح له الهدف على الدوام في نهاية الدرب، فمتعة العمل والشغف به، هما وقود أي مشروع. ومرحبا بالشقيق: مختبر السرديات الكويتي في هذا الدرب الجميل.
-------------------------------------------
[1] ورقة مقدمة لندوة (أهمية المختبرات السردية في منطقة الخليج) ضمن فعاليات معرض الكتاب الدولي للكتاب بالكويت في دورته الأربعين في يوم الأربعاء 25 من نوفمبر 2015م.
[2] من مقالنا "من مختبر السرد إلى سرد المختبر": جريدة الزمن – 30 من أغسطس 2015م
[3] وثيقة تأسيس مختبر السرديات العماني
[4] نفسه
[5] مزيد من التفاصيل في ورقة غير منشورة بعنوان "الأصوات الرواية الجديدة في عمان": منى بنت حبراس السليمية، قدمت في ملتقى السرد الخليجي الثاني بالكويت في مايو 2014م.
[6] المرجع نفسه.
[7] حمود الشكيلي: تحليل خطاب الراوي في نماذج من الرواية العمانية، بيروت، المؤسسة العربية للدراسة والنشر، 2013، ص16
[8] بمدينة صحار، حملت عنوان "الرقم 13 ليس نحسا" في فبراير 2013م. كشف سليمان المعمري عن هذه الإحصائية في ورقة قدمها
[9] الأصوات الروائية الجديدة في عمان، مرجع سابق.
[10] مقالنا "المشهد النقدي الذي نريد"، مجلة نزوى – العدد 81
[11] من مقالنا "من مختبر السرد إلى سرد المختبر": جريدة الزمن – 30 من أغسطس 2015م
[12] المقال نفسه.
[13] وثيقة المختبر
[14] اتفاقية التفاهم بين مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية ومختبر السرديات العماني الموقعة في 5 أبريل 2015م
[15] من مقالنا "من مختبر السرد إلى سرد المختبر": جريدة الزمن – 30 من أغسطس 2015م
[16] من مقالنا "من مختبر السرد إلى سرد المختبر": جريدة الزمن – 30 من أغسطس 2015م