معرض الكتاب، وأنا
جريدة الوطن، ملحق أشرعة
1 من مارس 2015
منى بنت حبراس السليمية
لا أعرف متى حمل لي معرض الكتاب حسّا طفوليا ملوّنا بالفرح. كنت أعرفه أيام المدرسة، ولكنه كان يعني نزهة خارج المدرسة والعودة بلفافة فشار أو كتيّب صغير أجيب به والدي الذي سيسألني عما اقتنيت فور عودتي إلى البيت.
وفي الجامعة، تغير الأمر بفعل الضرورة، ولكن أهميته لم تكن تتناسب مع مصروفي الضعيف الذي لا يقيم شراء ما أريد، فبقيت أواسي نفسي بمكتبة الجامعة التي ستمدني بكل ما احتجت وإن قصّرت، ولكنها، رغم كل شيء، الخيار الذي ليس لي سواه.
الدورة الأولى التي اختلف فيها معرض الكتاب عن سابقاتها، كانت في عام 2008م. يومها اشتريت كتبا أقرب إلى مزاج أبي منها إلى مزاجي، ولكنه مزاج لم يكن بعيدا جدا بعد كل شيء. كان ذلك قبيل حصولي على الوظيفة. ومعرض الكتاب دون وظيفة تُؤَمِّن لك مصروف الشراء سيحكم عليك بالحسرة، ولكن حسرة أخرى توفرها لك الوظيفة أيضا من جانب آخر؛ ارتباط وظيفي يحرمك من الذهاب وقت تشاء!
ومع افتتاح كل دورة: يربكني سؤالان ما ينفكّان يوجّهان إليّ وإلى غيري، ومبعث الارتباك ليس لأن الإجابة عليهما صعبة – رغم أن الصعوبة من صفات السؤال لا الإجابة – ولكن لأنهما يشعرانني بأنني خارج السرب، وخارج النظام، وخارج نواميس القراءة الطبيعية، وخارج سنن الكون، على عكس جميع الناس – أو غالبيتهم على الأقل – الذين يسيرون وفق خطة محددة واضحة لا يحيدون عنها، فيكونون جميعا – كنتيجة أخالها حتمية – أقرب مني لتحقيق الهدف.
أما السؤال الأول، فهو: هل أعددتِ قائمة بالكتب التي تريدين اقتناءها من المعرض؟ يُسقط في يدي لأنني لوهلة، أفهم أن الإجابة إذا كانت بنعم تعني شخصا يعرف ما يريد، ويعني نقيضُها العكسَ غالبا! وأنا التي لم أعترف بالقوائم قط – رغم عناوين أحرص على اقتنائها أحيانا – تعوّدت أن أمشّط المعرض دارا دارا، وأجد متعة بالغة عندما يختطفني كتاب لم أكن قد حسبت له حسابا، فمهما وضعتُ القوائم فإن متعة المرور على دور النشر كلها لا يعادلها شيء، لأن القوائم إذا كانت تعني أنني أعرف سلفا عناوين بعينها، فإن التمشيط يضعني في صورة الجديد الذي لم أعرف.
أما السؤال الثاني فهو: هل قرأتِ كل ما اشتريتِ من معرض الكتاب الماضي؟ وهذا السؤال لا يثير ارتباكي بقدر ما يبعث غيظي، لأن الكتاب ببساطة ليس سلعة تُستهلك لنترقب تاريخ انتهاء صلاحيتها قبل الموسم التالي!
هذا أولا، أما ثانيا: فالقراءة مشروع طويل المدى، لا ينحصر بين حدّين زمنيين ضيقين، ولا شيء يحتم الفراغ من القراءة – التي لا يجب أن تنتهي – في ظرف زمن محدد سلفا، أما ثالثا: فهو إن الكتب في عمان قلما نجدها في غير معرض الكتاب، وأن نكتفي بما اشتريناه في العام الماضي ولم نفرغ منه بعد، ونضرب عن الشراء في الدورة الحالية بسببه، فذلك لا يتلاءم مع بلد لا تتوفر فيها مكتبات تمدنا بالجديد كلما صدر.
ختاما، سأقول: يجبرنا المجال البحثي غالبا أن نكون في معرض الكتاب كحاطبي ليل، لأننا ببساطة لا نعرف متى تحين الحاجة البحثية القاتلة لكتاب بعينه ويعز علينا العثور عليه هنا أو هناك. لذا، فلا قوائم ولا معيار يرتبط بما أشتريه اليوم يحكمه ما اشتريته سابقا. وسوف لن أفعل أكثر من أن أستسلم لرائحة الكتب وإغراءاتها، وليغرق صندوق السيارة، ولتغرق المكتبة، ولتغرق الغرفة، وليغرق البيت كله .. وأهلا بمعرض مسقط للكتاب 2015م، بشهيّاته وشهواته المباحة المؤجلة.