الأربعاء، 25 فبراير 2015

السياحة، التي لم تثر!

السياحة، التي لم تثر!

جريدة الرؤية
26 من فبراير 2015

منى بنت حبراس السليمية

    قبل يومين، كنت في طريق عودتي عبر الطيران العماني من دولة الكويت، وشد انتباهي أعداد الكويتيين الذين ملأوا مقاعد الطائرة أفرادا، وجماعات، وعائلات قادمين معي إلى مسقط، فجلستْ بجواري على مقاعد الدرجة السياحية فتاتان كويتيتان، بعدما توزعت عائلتهما في المقاعد أمامنا وعن يسارنا. سألتهما: تزورون السلطنة للسياحة أم لزيارة خاصة (وخشيت أن تكون مجرد ترانزيت)؟ بادرتني إحداهما بأنهم يزورون السلطنة للمرة الأولى، وقد قدموا إليها سياحة.

    قالت لي – تشير إلى سيدة تجلس في مقعد أمامنا: "خالتي زارت مسقط من قبل، وأقامت في شانغريللا، وتقول إنه عجيب، وجئنا لنقضي خمسة أيام في عمان للسياحة". سرّني ما قالت، وفي الوقت نفسه أخذني القلق: "ماذا سيجدون بعد شانغريللا؟"

    وفي موقف مشابه – وكنت في الكويت ما أزال – هاتفتني أختُ صديقة لي كويتية، تقول إنها تتوق لزيارة عمان، لأنهم يمدحون شانغريللا كثيرا، وقد كانت تظن أن شانغريللا في سمائل! فصححت لها المعلومة.

    وعودا على السؤال القلِق: ماذا سيجدون بعد شانغريللا؟ مؤكد أن الطبيعة في عمان مبثوثة طولا وعرضا، وفي فصل الشتاء تكون أكثر استقطابا للحركة السياحية، وهو ما كانت تقوله كويتية أخرى لزوجها (كما أتوقع) في الحافلة التي أقلتنا من سلّم الطائرة إلى مبنى القادمين. قالت – وأنا أنصت: "الجو حلو فـ عمان بيناير وفبراير، لكن صيفهم مو شي، كله رطوبة على عكس الحين، بس في الصيف يقولون صلالة وايد حلوة، آنا ما رحت بس جذيه يقولون".

    وعلى ذكر الصيف في صلالة، قالت لي صديقتي التي كنت في زيارتها، إن صديقة لها زارت عمان، وقالت إنه لا شيء فيها يشجّع على إعادة التجربة! سألتها مستغربة: "أين ذهبت في عمان؟!" قالت: صلالة. سألتها – أخمن خطأ في التوقيت – "في أي شهر كان ذلك؟" فكان جوابها مطابقا لتخميني: في فبراير. وجدتني أقول: "معها حق. صلالة للصيف .. وليست للشتاء، لأنها في الشتاء ما فيها شي فعلا!"

    فما الذي يجعل صلالة "ما فيها شي في الشتاء"؟ هل الموسم وحده ما يجعل فيها شيئا في الصيف؟ وهل كانت مدن العالم العربية والغربية بحاجة إلى خريف مماثل كي يكون فيها شيء طوال العام؟ في عمان لسنا بحاجة إلى افتعال الطبيعة أو إيجادها؛ لأن الله كان أكرم عندما منحنا إياها. نحن بحاجة إلى خدمات تتناسب مع ما تفرضه جغرافية السلطنة من قطع للمسافات، دون أن يضطر السائح للعودة من حيث جاء؛ لأن السكن المناسب، والمأكل المناسب، ودورات المياه، كلها لم تتوفر!

     صلالة، وسمائل، ومسقط، ومطرح، وسوق الظلام، وصحار، ونزوى، وبهلا، وغيرها من ولاياتنا العمانية تردّدت كثيرا على مسامعي في رحلتي تلك – كما في كل الرحلات التي أستطيع أن أقول باطمئنان إنها ليست قليلة – فلم يعد الترويج للطبيعة العمانية والتعريف بها معضلة، لأن غالبية من نعرف ونلتقي بهم يعرفونها جيدا، كبقعة سليمة آمنة في جسد عربي ملتهب، وهذه نقطة أخرى تضاف إلى رصيد الأهمية التي يشكلها قطاع السياحة في عمان اليوم.

    ولكن المعضلة هي: كيف نعزز الطبيعة بالخدمات؟ فما الذي يمنع أن يكون شانغريللا في سمائل فعلا – كما كانت تظن أخت صديقتي الكويتية؟ برأيكم: هل أحلم؟! سمائل – وسواها من الولايات –لا فنادق فيها حتى الآن، أين سيقيم السيّاح الذين أغريتهم بها وبفرادة واديها ونخيلها وجبالها، وبـ "السمدي" و"قلعة الخوبار" و"عين ورد"؟

     سمائل تخلو من المطاعم والمقاهي التي تليق بضيف جاء من الخارج، بعدما أُغلقت المحاولة الوحيدة التي تمثلت في "مقهى الرصافة" في قلب "المَدْرة"، وبقيت تلك التي تحمل لافتاتها اسم مطعم، ولكنها إلى شيء آخر أقرب. تعتمد على تقديم الطلبية واستلامها بعد حين .. بعيدا، حيث لا مكان سوى البيوت أو تحت ظلال النخيل.

    هل تحدثت عن سمائل كثيرا؟ هي مثال فقط، والأمثلة كثيرة ومبثوثة في ولايات شتى. وفي ظل انخفاض أسعار النفط، تبدو السياحة هي الفرصة الأكبر السانحة أمامنا الآن، إذا ما أردنا إنعاش اقتصادنا الوطني ونثبت أننا لسنا دولة اللون الواحد في مصادر دخلنا، وما لم تضع الدولة ثقلها في هذا القطاع، فقد لن تكون الفرصة مواتية في وقت آخر. أقول ذلك لأن أوضاع العالم الأمنية واضطراباته المتلاحقة تجعل من السلطنة – التي حجزت لنفسها درجة الصفر في مؤشر التهديدات الأمنية – ضمن الخيارات الأولى للباحثين عن السكينة والجمال.

    سأقترح أخيرا: مثلما سخّرت السلطنة إمكانياتها، ورسمت توجهها في السنوات الأخيرة نحو ريادة الأعمال، سيكون ضروريا في المرحلة الراهنة فعل الشيء ذاته نحو تطوير السياحة، ولتكن مؤسساتنا الصغيرة والمتوسطة موجّهة لهذا الهدف؛ لأن عمان الجميلة الآمنة تستحق اهتمامنا .. تستحق اهتمامنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق