الخميس، 29 مارس 2018

عبدالرحيم جيران .. قصة مصادفة

تمر بالمحظوظين منا مصادفةٌ تغيّر مسار حياتهم. المصادفةُ التي يرتبها القدر لنا جميعا، ولكن المحظوظين فقط هم الذين يدركون رسالتها، فيما يمضي الآخرون عن مصادفتهم بعيدا دون أن يروها.

المصادفة التي حولت مسار حياة ضيفنا اليوم، حدثت في العام ١٩٨٦م بعد مناقشته لرسالة الدكتوراه، وأصبح متعينا عليه التسجيل لأطروحة دكتوراه الدولة كما كانت الأنظمة تعمد في الجامعات المغربية، وفي مكتبة آل سعود في الدار البيضاء وقع على كتاب كتب بالفرنسية لباحث برتغالي يسمع به لأول مرة يدعى پتيتوكوردا تحدث فيه عن النظرية الكارثية حمل عنوان "التكون الشكلي للمعنى".

كان هذا الكتاب كافيا لأن يقرر ضيف الليلة عدم المضي في التسجيل لدكتوراه الدولة بعدما وجد أن پتيتوكوردا يتناول التكون الشكلي للمعنى منطلقا من علوم تطبيقية لا يملك هو مفاتيحها كالرياضيات والبيولوجيا.

ومن فوره عكف على دراسة الرياضيات والبيولوجيا والمنطق، بالإضافة بالطبع إلى علم النفس والفلسفة وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم الإنسانية.

استغرقه الأمر خمس سنوات حتى يطمئن إلى أنه يقف على أرض معرفية جيدة تخوله خوض غمار بحث علمي يتوخى فيه أن يضيف جديدا كما هو الشأن في هذا النوع من الأطاريح العلمية المسماة بدكتوراه الدولة، فكان عن مستويات بناء النص الروائي في رواية شرق المتوسط لعبدالرحمن منيف، لينقطع خلالها للبحث والقراءة والكتابة عشر سنوات أخرى قبل أن ينشر الجزء النظري فقط من أطروحته في كتابه "علبة السرد".

ومنذ عام ٢٠٠٥ ظهر البروفيسور عبدالرحيم جيران للمتابع المتتبع باحثا صلبا ما انفك - كما قلت عنه في مقال سابق - يفتش عن المعرفة ويتهيبها من غير وثوقية، و"نجده في أوج عطائه محاورا نظريات السرد في مختلف توجهاتها؛ يهدم ما استقر منها وصار في عداد القديم، ويؤسس للجديد بأناة، وترو، وفق رؤية معرفية تأسست تفاصيلها وفق خبرة طويلة، ومصاحبة رصينة  للنظريات السردية الغربية وأُسسِها المعرفية التي شكلت أنساقها".

وهو من الأسماء العربية القليلة التي تحاور المنجز الغربي وترد عليه دونما تهيب أو تبجيل، كان آخرها البارحة في ندوة ما وراء الشرفة في جناح بيت الزبير، حيث قدمت الصديقة هدى حمد ورقتها عن مستقبل الرواية موردة مقولة لرولان بارت ليرد معلقا: "لا يا سيدي يا رولان بارت؛ الحكاية ليست هي الرواية!" وذلك في معرض حديث بارت المضمّن في ورقة هدى بأن الرواية باقية ببقاء الحكاية.

"يظهر هذا المسار المعرفي للأكاديمي عبد الرحيم جيران من خلال التراكم الرصين المتأني الذي تؤشر عليه إصداراته الآتية:
- كتاب "في النظرية السردية" - دار إفريقيا الشرق (2006)، الذي يعيد فيه النظر في مفهوم السيرة، والقراءات التي طالت رواية الحي اللاتيني للروائي سهيل إدريس،
- وكتاب "إدانة الأدب" ـ مطبعة النجاح (2008) الذي يرد فيه على الناقد الفرنسي الشهير تودوروف في كتاب "الأدب المهدد" الذي يرفض جيران الترجمة العربية التي تعونته بـ "الأدب في خطر"،
- وكتاب"علبة السرد: النظرية السردية من التقليد إلى التأسيس" – دار الكتاب الجديدة المتحدة (2013)، الذي يعلن فيه عن ميلاد منهج سردي عربي متكامل،
- وكتاب "سراب النظرية" ـ دار الكتاب الجديدة المتحدة (2013) الذي يقدم فيه النظريات النصية ويعيد النظر في أسسها.
- وكتاب "النص الأدبي" الذي صدر في أواخر العام المنصرم (2017) عن الدار المغربية العربية.

كما للناقد عبد الرحيم وجه آخر يتمثل في ممارسته الإبداع؛ فله في مجال الرواية: رواية "عصا البلياردو" الصادرة عن دار إفريقيا الشرق (2011)، ورواية "كرة الثلج" الصادرة عن دار الآداب (2013)، وصدرت له مؤخرا روايته الثالثة "الحجر والبركة" الصادرة عن دار الفاصلة للنشر (2018).

وفي مجال القصة القصيرة له مجموعة قصصية موسومة بعنوان "ليل غرناطة"، صادرة عن دار الأمان (2013).

هذا إلى جانب الإبداع في مجال الشعر بصنفيه العمودي والحديث، ليتوجه بمجموعة شعرية وحيدة بعنوان "سيرة شرفة" الصادرة عن دار النهضة العربية (2016).

مقدمتي في ندوة (الذاكرة والتأويل في الرواية) للبروفيسور المغربي عبدالرحيم جيران ضمن فعاليات الجمعية العمانية للكتاب والادباء بمعرض مسقط الدولي للكتاب ٢٠١٨ - 27 فبراير

منى بنت حبراس السليمية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق