الاثنين، 18 يونيو 2018

عمتي تحب الحياة

عمتي تحب الحياة
منى بنت حبراس السليمية
أُكبِر في عمتي أنها لا تمنح الحزن أكثر مما يستحق من وقتها، فهي سرعان ما تطوي بساطه وتكمل حياتها كأن شيئا لم يكن. ماتت طفلتها ذات الأعوام السبعة فبكت سبعة أيام وانتهى الأمر. في اليوم الثامن استيقظت وكأنها لم تكن حزينة على طفلة أنجبتها وماتت بمرض غامض. بعدها بسنوات مات أبوها فبكت في ليلة وصول الخبر وانتهى الموضوع. وكذلك حدث عندما ماتت أمها، أقامت لها عزاء لثلاثة أيام ومن فورها باشرت حياتها المليئة بمباهج صغيرة تعرف كيف تستجلبها لنفسها. وعندما مات زوجها لم تطق صبرا على الشهور الأربعة والأيام العشرة. شاهدت المسلسلات والأفلام، وخرجت مع أولادها للتنزه ضاربة عرض الحائط فتاوى الاحتجاب والانعزال.

ولكنها اليوم بدت مكسورة كما لم تكن من قبل، فقد توفي هذا الصباح آخر دفاعاتها في الحياة؛ توفي أخوها الوحيد بدون ممهدات. ارتفع ضغط دمه وخلال ساعات فارق الحياة. موته جعلها ذاهلة تخبط جبينها بيدها وتعيد الاستماع إلى رسائله الصوتية طوال النهار. تود أن تقول أشياء ولكن اللغة لا تسعفها.

عرفت أن الحزن هذه المرة سيلازمها طويلا، وأنها لن تعود بعده كما كانت.

الهيبة العودة: الهيبة الورطة

الهيبة – العودة: الهيبة – الورطة

منى بنت حبراس السليمية

مجلة أوائل الرقمية - 18 يونيو 2018


لوهلة، بدت حركة ذكية أن يعود مسلسل الهيبة في جزئه الثاني إلى زمن أقدم من زمن الجزء الأول، دون أن يكون لذلك سبب ظاهر غير غياب "نادين نسيب نجيم"، وعدم إمكانية استمرار الجزء الثاني بدونها كما ذهب إلى ذلك كثيرون بعد بث الحلقات الأولى من المسلسل، وإن بدا الجزء الحالي أفضل حبكة من الجزء الأول ولكنه في نهاية المطاف مقيّد بإكراهات مضطر إليها، وهي التي أفسدته في الصميم، فعلى سبيل المثال ما كان ممكنا أن نتوقع أفقا مختلفا للعلاقة بين "جبل" الذي يؤدي بطولته النجم السوري تيم حسن، وزوجته "سمية" التي تؤدي بطولتها النجمة اللبنانية نيكول سابا، رغم ما بدا - بدءا من الحلقة الخامسة عشرة وما تلاها - من تحول في العلاقة بينهما بوقوعها في حبه دون أن  يبدي تجاهها أكثر من لطف متكلف سرعان ما انطفأ مع أول حجة؛ أقول ما كان يمكن أن نتوقع أفقا مختلفا بسبب الجزء السابق الذي يخبرنا أنه طلقها لتتزوج من ابن عمها "نضال"، وإن كانت سمية هناك غير التي أدت شخصية سمية هنا، فللجزء الأول/ المتأخر زمنيا حكمه القاطع رغما عن ممكنات الجزء الثاني/ الأسبق منه.


وكذا الشأن في كل ما رأيناه من تعنّت "جبل" و"أم جبل" أمام رغبة "منى" في الزواج من "مجدي" حتى بعد مضي نصف عدد حلقات المسلسل، لأنها تزوجته (ومشي الحال) كما يخبرنا الجزء الأول كذلك، ليبقى ما شاهدناه على مدى خمس عشرة حلقة أولى قبل زواجها المحسوم ليس سوى (مطمطة) وقت لا يمكن أن تثمر حدثا مغايرا عما رُسم سلفا في الجزء الأول.


ما فعله هذا الجزء ليس سوى تفسير ما حدث كيف حدث لا أكثر، وإن حاول بشكل أو بآخر إضافة أحداث وشخصيات (هولو، وأبو سلمى، وبنات بيت الهوى) من أجل بث روح من التشويق مفقودة بعدما بات معلوما مآله سلفا، ليصبح الأمر وكأننا قرأنا رواية من نهايتها، والآن نعود لنقرأ بدايتها وقد علمنا سلفا ما كان وما سيكون.


سنكتشف هذه المرة أن الكيمياء ضرورية حتى بين الممثلين، وهي الكيمياء التي رافقت الثنائي (تيم ونادين) منذ مسلسل "تشيللو"، ثم في "نص يوم"، وانتهاء بـ"الهيبة" في الجزء الأول، رغم الدور العادي الذي أدته نادين فيه وحازت به على جائزة أفضل ممثلة في لبنان للمرة الثالثة على التوالي. تلك الكيمياء لم تكن حاضرة في هذا الجزء بين "جبل" و"مريم" الذي قد يكون سببه قصر المساحة الزمنية التي جمعتهما معا، كما غابت لاحقا بين "جبل" و"سمية" بسبب انسداد أفق التوقع كما سبقت الإشارة إليه، رغم ما أبدته "سمية" من محاولات لإذابة جبل الجليد بينهما، ولكنه بقي من جهته جبلا عصيا على الإذابة، فغاب الوجه الأجمل من شخصية "جبل".


فماذا لو لم يكن الجزء الأول مُنجزا، واعتبرنا الجزء الثاني هو بداية "الهيبة"، فهل ستكون النهاية بين جبل وسمية مقنعة؟ قد تكون مقنعة لمشاهد لم يحضر الجزء الأول، ولكنها بالنسبة لمشاهد تابع الجزأين معا، سيتمنى لوهلة لو أن الجزء الأول لم يكن، لأنه جزء لم يسمح لعلاقة سمية وجبل أن تتنفس بحرية، فهي علاقة محكوم عليها بالاختناق تحت أي سبب. وسأشير إلى نقطة مهمة تتعلق بفقدان تفصيل من ذاكرة الجزء الأول فاتت على الجزء الثاني، وهي أن سمية في الجزء الأول في زيارة غاضبة لأم جبل – وهي تحمل بين يديها رضيعها من نضال - تقول جملة فيما معناها: "هذا ابنو لنضال، اللي ابنك طول أربع سنين ما عِرف يجيب متلو؟" فذاكرة المُشاهد التي تحفظ هذا الحوار تكتشف أن الجزء الثاني سقط منه هذا التفصيل الصغير/ المهم، عندما جعل سمية هي السبب في حرمان جبل من (الخِلفة) لا شيء آخر! فإذا كان حضور الذاكرة ضروريا في الأجزاء المتسلسلة زمنيا، فهي ضرورية على نحو مضاعف عندما يكون الزمن عكسيا بين جزأين.


ويبقى السؤال: إذا كانت نهاية الجزء الأول سعيدة بين جبل وعليا، فهل كانت هناك حاجة إلى جزء ثان بكل هذه الإكراهات التي لا تؤدي إلى شيء ولو أرادت! والأكثر إثارة للدهشة عندما نعلم أنه تم الإعلان عن التحضير للجزء الثالث، الذي ستدور أحداثه هذه المرة في الزمن الحالي (2019) حسبما أعلن تيم حسن على صفحته في الفيسبُك.


الهيبة – العودة هو جزء أول مؤخر (على طريقة النحويين)، ويوشك المرء على الاعتقاد بأن القائمين على المسلسل تمنوا لو أن الجزء الأول لم يكن، ولو أن البداية كانت مع الجزء الثاني حتى يتحرر من إكراهاته التي قيّد بها، إذ يبدو أن هناك أفكارا طرأت مع هذا الجزء فوّت الجزء الأول إمكانية استثمارها، منها مثالا: الزج بشخصية تيمور تاج الدين في سياق الأحداث، وهي الشخصية التي لعبها تيم حسن في مسلسل آخر، وهو "تشيللو"، وإصرار "جبل" على تسليم السيارة المسروقة إلى صاحبها تيمور تاج الدين شخصيا، حتى كاد يظن المشاهد أن لعبة فنية ستحدث ستجمع الشخصيتين معا لينفتح أفق ما من رحم هذه الفكرة، ولكن هذا الحدث انتهى إلى لا شيء، ليس بسبب عدم إمكانية الجمع بين "تيمور تاج الدين" و"جبل" اللذين يلعب دوريهما معا تيم حسن نفسه، ولكن "فواز" السائق الشخصي لتيمور تاج الدين – من سوء حظ "الهيبة" – هو نفسه من أدى شخصية غازي عم "جبل"، لتنتهي الفكرة بأن يبعث جبل أحد "زلمه" ليسلم السيارة لفواز عبر اتصال هاتفي، فينتهي تيمور تاج الدين كما دخل بلا أثر ولا تأثير سوى محاولة لافتعال حركة فنية بلا طائل كان يمكن أن تظهر بشكل مختلف لو أن فواز لم يكن غازي على الأقل! ليبقى التأويل الآخر محتملا، الذي يذهب إلى أن شخصية "تيمور تاج الدين" - كما اقترحت بعض القراءات النقدية لمسلسل "تشيللو" - ليس سوى شخصية رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري، وما الإتيان باسمه إلا للدلالة على مكانة صاحب السيارة المسروقة ليس إلا.


ولا نغفل الإشارة إلى ما سبق إليه كثيرون، بأن المسلسل يجعلنا نقف في صف (الأزعر) المهرِب، والخارج على القانون من خلال شخصية البطل المطلق التي يمثلها "جبل"، إذ كل مشكلة كبرت أو صغرت تصبح عنده (مِنتهِيّة)، ليظهر بمظهر الرجل الذي لا يعجزه شيء، ولا يقف في وجهه شيء؛ فهو شخصية تعيش قانونها الخاص، وتحقق بطريقتها عدالتها الخاصة في مكانها الخاص، فالأزعر الذي يمثله جبل، لا يشبه الأزعر الذي يمثله نضال، أو هولو، أو ناظم. جبل يمثل صمام أمان للهيبة وأهلها، شخصية تجمع المتناقضات التي لا سبيل إلى النظر إليها معزولة عن واقعها المكاني الذي يصر المخرج على أنه مكان لا علاقة له بالواقع اسما وجغرافيا.


المزعج في شخصية جبل هذه المرة هي النعرة الذكورية العالية، لاسيما في تعامله مع "سمية" التي تزوجها حقنا للدماء وإسكاتا لصوت الثأر ليس إلا، ولكنه ابتداءً من طريقة لفظه لاسمها "سِمِّيَة" تارة، ومرورا بوصفها بالغنمة تارة أخرى، وسحب الطبق من أمامها على السفرة تارة ثالثة لأنها ضحكت في غير أوان الضحك، وليس انتهاء بضربها لإفشائها سر مرض أخيه "صخر" – رغم أنه لم يقبل بضرب مجدي لأخته "منى" – ونعتها بالحيوانة حتى بعد تحسّن العلاقة بينهما محدثا أمه: "الحيوانة اشتكت لك؟". كل ذلك يجعلنا أمام جبل آخر، لا يشبه جبل في الجزء الأول/ الزمن اللاحق، رغم المشاهد المحدودة التي بدا فيها لينًا معها.


ورغم كل الإكراهات التي سردناها آنفا، وورطت هذا الجزء وحددت مسار أحداثه، يحسب للدراما اللبنانية، بممكنات ممثليها العالية، والمطعّمة بنجوم سوريين أحيانا – تيم حسن ومنى واصف في الهيبة – قدرتها على تسجيل حضور ملفت في واقع درامي عربي كان الضعف طابعه العام، فالدراما اللبنانية كانت لوقت طويل متقوقعة على محيطها اللبناني دون أن تسجل رواجا خارجه، ولكنها مؤخرا استطاعت أن تكسر حواجز الجغرافيا وتصل إلى المشاهد العربي، وتقدم نجوما أصبحوا علامة فارقة في الدراما العربية.


وأسجل أخيرا تميز شارة المسلسل بأغنية "مجبور"، لحنا وكلمات وأداء أبدع فيه ناصيف زيتون، رغم حضوره الشخصي غير المبرر في لقطة خاطفة في إحدى الحلقات، ولا يفسره غير السعي بطريقة أو بأخرى إلى بث روح في عمل أفسد جزؤه الأول ممكنات الجزء الثاني. ويبدو أن الوحيدة التي نجت من هذه الورطة – إن صح توصيفها كذلك – هي نفسها التي تسببت فيها: نادين، هذا إذا آمنا بأن المسلسل كان بحاجة إلى جزء ثان أساسا، فضلا عن ثالث.

السبت، 2 يونيو 2018

خيانة شرعية

خيانة شرعية

لم تفهم شعور أمها عندما قالت لها: تمنيت لو أنه اتخذ خليلة سرا ولا أن يتزوج علي!

صعقت من كلام أمها، ولم تدر أن ردها داس على جرح أمها أكثر عندما أجابتها: وهل الحرام أفضل عندك من الحلال؟
سكتت الأم ولم ترد.
اليوم فقط تعرف ما كانت تعنيه: خليلة السر تخبرها أنه يحفظ لها بعض احترام مادام يخاف من مواجهتها، ولكن ضرة العلن تقول إنه سئم منها وأتى بأخرى جديدة، هكذا ببساطة شديدة، وليس لها إلا تقبل الواقع.

تسألها الآن: لماذا بقيتِ معه؟ لماذا لم تعودي لبيت أهلك؟ تقول: وهل أعود إلى زوجة أبي؟!

يا لهذه الدائرة التي لا تنتهي! تتخيل اتساع الجرح ولا تستطيع. يسمونه "حلالا" ولكنها باتت تسميه "خيانة شرعية".