السبت، 27 ديسمبر 2014

أنا أشبه جودي أبوت

أنا أشبه "جودي أبوت"
ل منى بنت حبراس السليمية

"جودي أبوت" فتاة تشبه أحلامي. كنت أراني في تصرفاتها. في قلمها وطاولتها. في قطعة البسكويت التي تقضمها فتعود بها إلى ذكريات قديمة مؤلمة، وإن لم تتشابه الذكريات.

حتى عندما فازت بقلم حبر نظير حصولها على المركز الأول في مسابقة القصة القصيرة، بكيت مثلها، ولكني أفكر الآن بأن قلم الحبر أنصفها وأنصف مركزها الأول، في الوقت الذي لم تنصفني فيه كل الجوائز التي حصدتها في المدرسة. كانت كلها لا تخرج عن كونها صناديق معبأة بأوان مطبخية، ما بين صحون وأكواب وكؤوس وأباريق، تذهب كلها لمطبخ أمي مباشرة.

الشيئان الوحيدان اللذان لم أشبه فيهما جودي أبوت كانا (ضفيرتيها، وجيفرس بندلتون). تغلبت على الأول بأن حاولت بشتى الطرق جعل ضفيرتي تحلقان كضفيرتي الفتاة الباسمة والبالونات تحملهما، أو أن أظل ممسكة بهما شادة إياهما أفقيا إلى أن يطالني التوبيخ، حتى قررت التغاضي عن هذه الصفة الناقصة مرغمة بحكم الطبيعة. أما (جيفرس) فقد كان تفصيلا لم أحبه قط، لأنه سرق الطفولة كما كنت أراها كاملة في (جودي أبوت) قبل أن يتدخل ويحكم على تفكيرها بالذهاب في اتجاه آخر.

(القبس) المنتظر

(القبس) المنتظر
ل منى بنت حبراس السليمية

أشرِق ..
أيها الفرحُ المؤجل
فقد تشابهت الأيام،
وضاع في زحمةِ الانتظارِ
لونُها.

عُـدْ..
ففي الحياةِ مُتسعٌ
لبهجةِ عُمرٍ قادم،
وللونٍ أبيضَ
في ناصيةِ السَّوادْ

عُـدْ..
فالقلبُ على صفيحِ الوقتِ
يرقبُ (القبسَ) بازغاً
يُعيدُ للأرضِ اخضرارَها

الثلاثاء، 23 ديسمبر 2014

المشهد النقدي الذي نريد

"المشهد النقدي الذي نريد"
مجلة نزوى. العدد 81. فبراير 2015م

لـ منى بنت حبراس السليمية

     أفترض أن الحديث عن سؤال النقد في المشهد العماني بات في خانة المؤجل؛ ذلك أن أي حديث مهما ادعى الإلمام بناصية القول في متاريسه وآفاقه هو حديث لن يكون سوى حديث بلاغي لا أكثر. لذلك كانت ولا تزال الكتابة ولادة طبيعية تقطفنا من أحاسيسنا الأولى الطازجة وكأننا موجودون حقا، هذا القلق هو الذي دفعني وأنا أقاوم تصحر الورقة البيضاء إلى تخطيط وجهة نظر شخصية عساها تزيح عني رداء الحيرة، وبخاصة وأنا أنظر إلى المشهد النقدي في عمان بعيني القاصرة التي لن تكون بطبيعة الحال أفضل من عيون أخرى أكثر اطلاعا ودراية وممارسة، لذا فإن مغامرة الخوض فيه مضاعفة: مرة لعدم امتلاك صفة محددة تخول الحديث عن "النقد في عمان" في ظل وجود من يمتلكها في الساحة الثقافية العمانية، ومرة لأن "النقد في عمان" أشبه بالشيء الذي تراه ولا تجده، تلمسه ولا تقبض عليه. وأن تتحدث عن شيء هذا سَمْته مؤكد أنها مجازفة كبيرة!

     حسنا إذن، لا أظن أن ثمة لقبا يثير رعب المسؤولية في نفس حامله أكثر من ألقاب ثلاثة: أن تكون قاضيا، وأن تكون طبيبا، وأن تكون ناقدا! ومرد ذلك إلى عدم قابلية الخطأ في تشخيص الحالة أو الحكم عليها، وذلك بخلاف غيرها من الألقاب التي تتخذ نتيجة العمل فيها مدى طويلا حتى تتخلق في شكل قابل لقياس دقة الاشتغال وصوابه.

      وكما أن الخطأ الطبي قد يكون قاتلا، فكذلك الخطأ القضائي، ومثله الخطأ النقدي، بيد أن هذا الأخير  ليس قاتلا – بالمعنى الفيزيائي - لمن تصدر فيه كسابِقَيه، وإنما قاتل – بالمعنى الأدبي – لمُصدرِه قبل غيره ما لم يكن عارفا بصنعته خبيرا بها.

       أضف إليه أن الطبيب والقاضي كليهما يَفضُلان الناقد في كونهما يملكان صفتيهما الرسمية بحكم شهادة علمية تعترف بمهنتيهما، فلا يحاججهما عليها أحد، ولكن الناقد ما من شهادة علمية تسميه ناقدا إلا ما ينجز من عمل نقدي يتخلق عبر الوقت في مشروع واضح المعالم ومحدد الرؤى، لذا فإن الألقاب النقدية المطروحة بمجانية هنا وهناك – على امتداد وطننا العربي – تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر من جهة، وحذر قبل إطلاقها إذا ما أردنا للنقد أن يحظى بمكانته التي يستحق من جهة أخرى.

       ويحق لنا أن نسأل عن حال "النقد في عمان"، وهو سؤال يعلو - في كل مناسبة أدبية أو ثقافية - عما سواه، بحثا عن حراك نقدي يوازي حركة النتاج الأدبي المتصاعدة في مختلف فنون الكتابة والإبداع، لترتفع معه وتيرة الشكوى من غياب النقد الموضوعي في المشهد الثقافي العماني – والمشهد العربي عموما – رغم تفاؤل بعضهم بأن المناخ الإنتاجي الحاصل يشكّل أرضا خصبة لميلاد حركة نقدية نشِطة في البلاد، وهي نظرة تفاؤل لها ما يشفعها، غير أنها في المقابل تصطدم بعدد من التحديات التي وجب التفكير فيها بصوت مسموع إذا ما أردنا التوصل إلى حلول لها.

      إن وفرة الإنتاج الأدبي مؤخرا شعرا ونثرا يسيل لها لعاب الباحث الشغوف في جديد هذا المنجز – وقديمه بطبيعة الحال – لأن المعادلة (النقدأدبية) تُسلّم بأن النقد إنما هو عملية تابعة لعملية الإنتاج الأدبي، ومتى ما كان الإنتاج وفيرا افترضنا في المقابل حراكا نقديا مماثلا يسير جنبا إلى جنب لتحقيق مناخ ثقافي فاعل، تأخذ الأطراف المختلفة برؤى بعضها نهوضا بالمشهد الثقافي العام، ولكن هل حققت وفرة الإنتاج الأدبي في عمان وفرة نقدية في المقابل؟

      رغم الجهود التي يبذلها الأشخاص المشتغلون في الحقل النقدي في عمان، وإسهاماتهم البحثية والنقدية – المقدّرة - التي تطالعنا بها الملاحق الثقافية والمجلات الدورية بين الفينة والأخرى، وكذلك الإصدارات النقدية هنا وهناك، فضلا عن الجهود والمبادرات التي تنهض بها المؤسسات الثقافية كالنادي الثقافي، والجمعية العمانية للكتّاب والأدباء، والصالونات الأدبية التي بدأت تنشط في الآونة الأخيرة بعقد ندوات وجلسات نقدية في النتاجات الأدبية، أقول على الرغم من تلك الجهود إلا أن الحركة النقدية في عمان ما تزال دون النشاط الذي نطمح إليه، ولأسباب سترد مفصلة في السطور القادمة، وهو قول يصح إطلاقه على المشهد العماني وعلى غيره من المشاهد الثقافية، فليست عمان بمختلفة عن غيرها من الأقطار العربية في هذا النقص، وما مقولة الدكتور صلاح فضل بأننا "نعيش زمن المجاعة النقدية" إلا دليل على ثبوت فرضية القحط النقدي الذي يستلزم الوقوف عنده بحثا في تحدياته لتفكيكها ومعالجتها.

     إذ لابد أن تسبق ميلاد الحركة النقدية المنشودة وتنتجها جهود شخصية ومؤسسية، فضلا عن ضرورة احتضان الحركة الناشئة احتضانا صبورا متعدد الأطراف، يأخذ مداه حتى يُنتج مشتغلين بالنقد أولا، ونقادا - تاليا - قادرين على قيادة المشهد النقدي بما يحقق حركة ثقافية فاعلة تأخذ بالأدب العماني إلى المستوى الذي يطمح إليه الجميع.

      ولعل واحدة من أبرز تحديات قيام حركة نقدية فاعلة تتمثل في تحديد: من هو الناقد؟ وما وظيفته وأهميته؟ وما هي شروط العملية النقدية؟

      أسئلة ثلاثة حتمية قبل الخوض في ملابسات المشهد النقدي في عمان ودرجات حضوره وغيابه، فما الذي يفرّق الكاتب عن الناقد، ويفرقهما معا عن المثقف؟ فإذا كان كلاهما مثقفا، فإن الناقد هو المثقف الأعلى درجة في سلم الثقافة، وإذا كان كلاهما كاتبا، فإن الناقد هو الكاتب بعقله لا بإلهامه، ومتى ما عرفنا ذلك اتضحت في أعيننا وظيفة الناقد ومهمته التي تتطلبها كل مرحلة ثقافية.

     فالنقد – بصفته علما له شروطه ومبادئه، وفنا له تقنياته وإدهاشه – ما يزال غائبا أو مغيبا عن الإدراك، فمتى ما عرفنا النقد بصفتيه العلمية والفنية الراميتين إلى الكشف والإضاءة والمساءلة – لا الانتقاد والانتقاص -  أمكننا النظر، من بعد، إلى الناقد ووظيفته بعين تبعد الشك والريبة التي تجعله مغضوبا عليه في كل حالاته وأحواله، كما تجعله متهما بالنخبوية والشللية من جهة أخرى.

     ولعل الأهم الذي يستدعي الإجابة عنه في زحمة السؤال، هو: ما الذي قدمناه من أجل إيجاد حركة نقدية فاعلة وصناعة ناقد عماني؟ إذ في الوقت الذي يدعو فيه الجميع إلى صناعة المبدع في شتى المجالات واحتضانه وتشجيعه، تغيب الدعوة إلى صناعة الناقد، فإذا كانت الكتابة الإبداعية التي هي فن بحت مرتبط ارتباطا وثيقا بالموهبة والاستعداد الفطري تقام لها الورش والدورات التدريبية من أجل صناعة كاتب حقيقي، فهل حظي النقد بالنصيب نفسه من تلك الورش والدورات التي بدأت تظهر هنا وهناك، وانطلقت في عمان مؤخرا مع ورشة (الحكاية وما فيها) التي نفذتها اللجنة الوطنية للشباب في صيف 2014م، وتلاها إشهار (مختبر السرديات العماني) في أواخر سبتمبر من العام نفسه، الذي وعد بدورات وورش في صنوف الكتابة السردية؟

       في الواقع – وإجابة عن السؤال أعلاه – يبدو أن الجميع ينظر إلى النقد والناقد بأنهما الحاصل دون تحصيل، وأنه الموجود دون إيجاد، وأنه – أي الناقد – أغنى من الحاجة إلى مثل ذلك الإعداد، لأن الافتراض الذهني يقول إنه جاهز للنهوض بمسؤولية ما هو بصدده لمجرد تصديه للاشتغال في الحقل النقدي. هذا صحيح (نسبيا) لأن الناقد وفق نظرة واقعية – وإنصافا له - هو المبدع (فوق العادة)، والمنوط به كشف الإبداع الأول وإبراز مكامنه، فالنقد سيد الإبداع وأرفع مراتبه، وبه تتحدد قيمة صنوف الإبداع الأخرى متى ما كان في مساره الصحيح وفاعليته القصوى، ولكنه يستحق – في المقابل - أن تؤهل كوادره و(تصنع) بورش مماثلة ودورات تهيئ المتصدين للعملية النقدية – لاسيما الشباب منهم - للاضطلاع بمهامهم النقدية بعيدا عن الكتابات الانطباعية التي لا تقدم عمقا أو المقالات الصحفية العابرة.

   وعودا إلى التحديات التي تواجه العملية النقدية المشهد الثقافي في عمان فإني أفصّلها كالآتي:

-  المؤسسة الأكاديمية: رغم ما يتطلبه النقد من موهبة وذكاء واستعداد فطري، إلا أنه في شقه الآخر عبارة عن صناعة تتطلب بيئة تصنع من الفرد ناقدا، ومؤسسات أكاديمية تؤهل/تصنع الناقد وتسلحه بالمعارف التي تخوله ولوج العمل النقدي بكفاءة، فإذا كان يقال "إن الشاعر يولد شاعرا"، فإن الناقد تتم صناعته، فهل تضطلع المؤسسة الأكاديمية بمهمة صناعة الناقد لأبعد من مجرد تهيئة سبل نيل الشهادة الجامعية وحسب؟

نقول ذلك لأن التعويل على المؤسسة الأكاديمية لا يقتصر على صناعة الناقد وحسب، ولكنه يتوسع ليشمل دورها في قيادة قافلة الثقافة في أي بلد، بيد أن المؤسسة الأكاديمية – كما يلحظه كل ذي بصر - حصرت مهمتها في تفريخ أعداد من الباحثين عن عمل، وما عاد البحث العلمي بارزا ضمن مهماتها كما يفترض أن يكون!

والحديث عن المؤسسة الأكاديمية يقود إلى الحديث عن دور الناقد الأكاديمي الذي تكاثرت علامات الاستفهام حول دوره في المشهد الثقافي، إذ يغيب الناقد الأكاديمي عن الساحة، ليتركها للقارئ العادي أو المدوّن والمغرّد والناشر على صفحات الفيسبوك، وفي أحسن الحالات يتركها للكتّاب أنفسهم الذين بدأوا حركة تعويضية تعوّض غياب الناقد بالكتابة عن نتاجات بعضهم ومناقشتها ضمن فعاليات قراءة تقام هنا وهناك، وهي قراءات غير متخصصة ولا يعدم أن تقع في مطب الاحتفاء والمجاملات، وفي أحسن الحالات سَوق الملاحظات أو طرح التساؤلات.

وقد يبدو – على الأقل - أن المؤسسة الأكاديمية مطالبة بأضعف الإيمان، وهو طباعة الرسائل الأكاديمية في مكتباتها وإتاحتها للقراء، لاسيما تلك الرسائل التي حظيت بقرار (الإجازة مع الطباعة)، دون أن نرى للطباعة أثرا رغم مضي السنوات على بعضها، فإتاحة الموجود أسهل من إيجاد غير الموجود مع ضعف العذر.

-  الكسل البحثي: إذ ما أكثر الباحثين في النقد الأدبي ممن يتوقف دورهم فور تحصيل الشهادة الجامعية، فيركنون إلى الدعة الروتينية القاتلة التي توفرها لهم الحياة الوظيفية والاجتماعية، وينهون بذلك مسيرة بحث توقفت عند شهادة عليا كانت لها حسنة إنجاز أطروحة بقيت في أرفف مكتبات الجامعة.

وقد يبدو هذا "الكسل البحثي" مبررا في ظل توزّع الباحث بين وظيفته التي قد تبتعد أو تقترب عن مجال بحثه النقدي، وبين الضغوطات الاجتماعية وواجباته العائلية، غير أنه مبرر غير مقبول إذا سلَمنا بأن الإبداع أرقى درجات التحدي. ومن جانب آخر فإن عملية التفريغ الممنهجة التي يجب أن يشرف عليها مجلس البحث العلمي – أو غيره من مؤسسات الدولة ذات الصلة - واجبة ومستحقة لأصحاب المشاريع الفكرية التي يشكل النقد أحدها، لأن الفكر عملية متصلة، لا ينبغي أن يزاحمها شيء من مشاغل الحياة إذا ما أردنا للمشاريع الفكرية أن يكون لها شأن في مشهدنا.

-  العلاقة الملتبسة بين الكاتب والناقد: فلا يبدو الاشتغال بالنقد محفزا للمشتغل فيه، ولا مغريات حقيقية تجعل من الناقد يستمر فيما هو فيه سوى شغفه بالعملية النقدية، نظرا للعلاقة الملتبسة بين الناقد والكاتب منذ أن كان أدب وكان نقد، فهو (الناقد) ممقوت ومكروه ومُتّهم متى ما قال عكس ما يهواه الكاتب (وقلة أولئك الذين يؤمنون برسالة النقد وافقت أم اختلفت)، وهو ممقوت ومكروه ومُتّهم كذلك وإن وافق هوى الكاتب بدعوى التملق والمجاملة والشللية. وقد وعت الكيانات الثقافية الممثلة في المؤسسات المبادرات والصالونات الثقافية هذه الإشكالية، فعمدت إلى جعل الكاتب والناقد وجها لوجه خلال تناول العمل الأدبي في فعاليات القراءات النقدية التي تقام هنا وهناك، ولعل هذا ما يكسر الجبل الجليدي بين الطرفين ويجعل من الناقد قريبا نافذا، كما يجعل من الكاتب متقبلا راضيا مهما اختلفت وجهات النظر وتناءت بغية تجاوز المرحلة الراهنة، نشدانا لمراحل أكثر نضجا من عمر الإبداع الحقيقي.

-  غياب الحافز: ففي الوقت الذي تتوالد فيه الجوائز وتتناسل احتفاءً بمنجز إبداعي شعرا ونثرا، فإن تلك الجوائز تضرب صفحا عن المنجز النقدي، وكأنه مما لا يجدر أن تختصه جائزة ما فتكرم أصحابه، فيظل حبيس دوره القديم مقيّما ومرشِحا لمن يستحق تلك الجوائز من زمرة الأدباء والكتاب فقط.     

      وأخيرا، يبدو أنه يتوجب علينا جميعا أن نكف عن الشكوى ونباشر العمل فورا، فوحده العمل يحقق نتائج ملموسة، وكل ما عداه ما لم يكن مشفوعا بخطة عمل فلن يكون أكثر من مجرد جعجعة لن تعيد الحصان مجددا إلى الطريق الصحيح، ومن جانب آخر، أحسب أنه آن الأوان للمشتغلين بالنقد – على قلتهم – أن يؤسسوا نقابتهم أو جمعيتهم النقدية التي ستضمن على الدوام مناخا من المناقشة والبحث والعمل النقدي الذي يكفل ازدهاره، وبما يحقق حركة نقدية منهجية ومنظمة تعمل على سبر المنتج الأدبي العماني وفق رؤية تروم الشمولية وتحقق العمق والأثر، وبما يجعل من النقد فكرا له كيانه الذي يتمدد ليشمل صنوف الإبداع كافة.

      دون أن نغفل أهمية تقدير النقد بوصفه صمام أمان، وضمانة من ضمانات المنافسة الأدبية التي تعلي من شأن الأدب الرفيع وتمحص الرديء بما يجعله يقوى مع الوقت؛ فلا يختلط صافيه بكدره. وإن كان من مطمح أخير، فهو الرجاء بمراعاة أصحاب المشاريع الفكرية عامة و(النقدية خاصة) وخصهم بفترات تفريغ - مشروطة بالمتابعة من مجلس البحث العلمي أو سواه، وجهات عملهم - تخولهم الاعتكاف من أجل إنجاز أعمالهم الفكرية بما يرفد الثقافة العمانية بكنوز علمية رصينة تضاف إلى المكتبة العمانية والعربية. وبعدها فقط سيحسن النظر إلى واقع أعقب العمل لا الشكوى.

الأحد، 21 ديسمبر 2014

منفى

منفى
ل منى بنت حبراس السليمية

أقول لك: أرشدني إلى دروب المنافي البعيدة،
لأقطف غربة أرصع بها تجربة الحياة،
فمع الغربة تحلو الأوطان وتصبح أبهى..
حينها فقط سأكتب رواية عنوانها "أنت الوطن"

تقول لي: ألم أصبح وطنا بعد؟
أجيبك: بلى، أنت الوطن،
ولكن الوطن حكاية تنتظر أن أكتبها،
وأنا .. الكلمات لا تأتيني!

أعطني منفى .. أعطك رواية.

السبت، 20 ديسمبر 2014

حلم

حلم
ل منى بنت حبراس السليمية

- لنا أحلامنا، ولهم أولوياتهم.

- القابض على حلمه كالقابض على الجمر.

- في الدنيا على الأقل: كافل الحلم ككافل اليتيم.

الجمعة، 19 ديسمبر 2014

أسماء

أسماء
ل منى بنت حبراس السليمية

علمت منذ وقت مبكر من طفولتي أنني أنحدر من سلالة غريبة الأسماء، الأمر الذي يضطرني دائما إلى تكرار كل اسم منها مرة ومرات حتى تصل صحيحة سليمة لأذن سامعها؛ فأمي شْكيلة، وليست شَكِيلة ولا شْغيلة، وأبي حِبْراس أو إن شئتم (حَبْرَ آس) ولكنه ليس حَبَراس ولا حُبْراس، وجدي شْبيط الذي عرّفه بنفسه أنه تصغير للشهر الرومي (شُباط)، وأبوه (لافي) الذي لا أعرف له معنى سوى أنه الضيف الذي يلفي على مُضيفه..

لهم أقول: ممتنة لأسمائكم الغريبة التي صنعتني (منى): اسما سهلا صغيرا في مبناه، كبيرا بأمانيه وأحلامه، ومستودعا لغريب طباع صاحبته وأطوارها.

شمس

شمس
ل منى بنت حبراس السليمية

في هذا العالم يا صغيرة
يمكن للشمس ألا تكون صفراء

فقط في عينيك
يمكن أن تكون وردية!

الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

جنة "زكي نجيب محمود"

جنة "زكي نجيب محمود"
لـ منى بنت حبراس السليمية

      كنت كلما ارتدتُ المكتبة الرئيسة بجامعة السلطان قابوس أقف - مختارة أو مجبرة - أمام رفوف كتب الأدب والنقد دون سواها، فأتخير منها محاوِلةً الدقة فيما أختار، ولكني رغما عني ما كنت أستطيع تجاهل كتب زكي نجيب محمود في كل مرة أزور فيها المكتبة لاسيما بعدما أتيت على معظمها في إجازة منتصف عام 2004م، ولم يكن أمامي سوى القليل مما لم أقرأه بعد، فأخذت في إحدى زياراتي الأخيرة "حصاد السنين"، و"مع الشعراء"، بعد أن انطفأ أملي في إمكانية العثور على "خرافة الميتافيزيقيا" في المكتبة أو خارجها، وبقيت أسأل عنه في كل دورة لمعرض الكتاب دون أن أعثر عليه!

     أسَرَني هذا الرجل منذ السنة الأولى في دراستي للبكالوريوس إثر قراءتي لسيرتيه النفسية والعقلية، فهو وإن كان قد كتب "قصة نفس" أولا غير أني قرأت "قصة عقل" قبلها، لجهلي بأقدمهما، وبناء على اتفاق أبرمته مع صديقة لي استعارت "قصة نفس"، على أن نتبادل الكتابين بعد انتهائنا من قراءة كلٍّ منا ما بحوزتها.

    ولكن صديقتي لم تنهِ "قصة نفس"، فأعطتني إياها يأسا بعدما عجَزتْ عن فهم العلاقة التي تربط بين الأحدب والراوي، وبينهما معا بإبراهيم.. فأدركتُ أن قراءتي لقصة عقل أولا قدمت لي خدمة في فهم ما أشكل عليها فهمه، وقد اكتفت هي لاحقا بما أخبرتها به عن حكاية النفس، دون أن أتمكن من إغرائها بمعاودة القراءة.

     أنهيت الكتابين وغيرهما من السير الذاتية في إطار دراستي في صيف 2003م لمادة "فن السيرة الذاتية"، التي بعثت فيّ بعد أعوام رغبةً في دراسة هذا الفن في عمان كأطروحة ماجستير، قبل أن يقول لي أحد أساتذة القسم "إنك ستدرسين فنا في حيز مكاني لم يَكتب فيه سوى أربعة فقط!!" فتراجعت عن الفكرة في حين لم يتراجع عنها - بعد سنوات من ذلك - "نصيب الصبحي" زميل دراستي الذي سينشر قريبا رسالته في الموضوع نفسه وقد تكاثر عدد الكاتبين لسيرهم الذاتية مؤخرا.

نسيت زكي نجيب محمود وقصص عقله ونفسه، ولكنه عاد ليطل ثانية مع أستاذ مادة "فن السيرة الذاتية" نفسه في عام 2007، ولكن هذه المرة مع مادة "تذوق النص الأدبي".. إنه الدكتور وليد محمود خالص.

    وفي محاضرة ما، كان سؤاله مباغتا .. أيقظ ذكرياتي عن زكي نجيب محمود:
- ماذا قرأتم عن زكي نجيب محمود؟
ولا مجيب! فتحمست للقول إنني قرأت قصتيه - سيرتيه - نفس وعقل - وكنت قد رغبت في أن يسألني أكثر عنهما، فلم يتأخر الرجل:
- وما الفرق بينهما؟
فأجبته بنشوة قارئ منتفخ - شعر بالأنظار كلها نحوه - بأن الأولى قصة ذات كمعظم القصص المنضوية تحت مسمى السيرة الذاتية، أما الأخرى فهي قصة تكوُّن العقلية العلمية لدى زكي نجيب محمود...

    كان بإمكاني أن أصمت بعد أن أديت الواجب – واجب وضع إجابة لسؤال مطروح في قاعة درس – ولكني استطردت قائلة بأني قرأت المتأخرة منهما أولا، ولكنني أحببت المتقدمة لألفتها، وقدرة زكي نجيب محمود على تفصيل نفسه على مقاس ثلاث شخصيات!

     بدوت مجتهدة للحظة، لولا أن طالبا سأل الدكتور عما يُقصد بالفلسفة الوضعية المنطقية، فالتفت إليّ الدكتور سائلا:
- هل قرأت في قصة عقله عن الفلسفة الوضعية المنطقية؟

      استنجدت بذاكرتي، وطالبتها بالعودة لأربعة أعوام إلى الخلف، وفشلت! فأجبته على استحياء: لا أذكر – وكنت أعني لا أتذكر التفاصيل – غير أنه فهم قولي بأني لا أذكر أنه قد ذكر هذا المصطلح!

      فرد معقبا: "كيف يا بنتي؟ فلسفة زكي نجيب محمود فلسفة وضعية منطقية". فتضاءلتْ نفسي فجأة بعدما كنت منتفخة منذ قليل! أحسست بعقدة النقص، وأنني لست قارئة كما يجب.

     عدت إلى زكي نجيب محمود في قصتيه من جديد، قرأتهما كما لو أنني ما فعلت من قبل، ولكنني اتبعت التسلسل التاريخي لكتابتهما هذه المرة، فخجلت من الدكتور خالص، وخجلت من نفسي عندما اكتشفت أن قصة عقل = الفلسفة الوضعية المنطقية!

     استرشدت بأسماء كتبه المسرودة في سيرتيه كأبطال حكاية، وعدت إلى المكتبة، وقرأت: جنة العبيط – في تحديث الثقافة العربية – تجديد الفكر العربي – في حياتنا العقلية – مجتمع جديد أو الكارثة – الكوميديا الأرضية.

     رحت أقرؤه كمن يقرأ نفسه، وكأن ليس في المكتبة إلا زكي نجيب محمود! كانت ثلاثة أسابيع - من إجازة منتصف العام - عنوانها الأبرز "زكي نجيب محمود"، فأحسست لوهلة أنه بإمكاني أن أخرج بشيء حوله، وفكرت لاحقا في دراسة "أنموذج المقالة الأدبية في كتابات زكي نجيب محمود" كونه مثالا لمن نظّر وطبّق في هذا الجنس الأدبي الذي أصبح كما يسميه بعضهم "المطية الذلول"، غير أن مشرفي وقتها لم يتحمس، وتركني للوقت ليتكفل بتثبيت خياري أو أصرفه إلى وجهة أخرى، ولكن السؤال الذي كان يحاصرنا وقتها كلما فكرنا في دراسة نتاج شخصية عربية: ألم يُقتل بحثا بحيث لا جديد لنقدمه؟

     بيد أن هذا السؤال (الهاجس) لم يكن ليخلو من حسنة، إذ إنه صرف غالبية كبيرة من طلبة الدراسات العليا العمانيين إلى دراسة الأدب العماني والتنقيب فيه شعرا ونثرا، وقد بدا هذا التوجه جليا للمتابعين للدراسات الأكاديمية المنجزة في السلطنة. وهي ظاهرة وإن كان سببها الأقرب فيما تم بحثه سابقا في الأدب العربي، غير أن الباحث العماني وجد في أدب بلاده ما يستحق أن يوليه عنايته قبل سواه، وعندما كانت تردني هذه الملاحظة خليجيا وعربيا، كنت أجيبهم بالمثل القائل: "ما حك جلدك مثل ظفرك"!