الخميس، 24 أبريل 2014

سيناريو تاء التأنيث ج1

جريدة عمان: يوم الاثنين بتاريخ 23 ديسمبر 2013م

سيناريو تاء التأنيث

لـ منى بنت حبراس السليمية  
 

تخيلوا..

     أن نجد تاء التأنيث - بحلول العام 2018 وما بعده - تؤدي أدوارا تضاهي في مساحتها النصف من أدوار المجتمع التي يفترض أنها مشتركة أو تتساوى مع الرجل كما كنا وما نزال نطمح دوما، وستكون لها غالبية الصفوف الإدارية في المشهد الوظيفي الحكومي والخاص وربما العسكري أيضا، وستكون المحرك الفاعل الذي تقوم عليه اقتصاديات الأسرة، إذ إنها ستكون المعيل الأساسي - ويليها الرجل - بسبب أفضليتها التي اكتسبتها علميا ووظيفيا وثم ماديا، ولكنها في المقابل ستعاني من بعض المشكلات المتعلقة بغياب التكافؤ بينها وبين الرجل علميا ووظيفيا وماديا، الأمر الذي ينذر بارتفاع نسبة العنوسة خلال العقود القادمة من الزمان..

نعم!!
هذا السيناريو قد يكون في طريقه إلى التحقق دون أن ندري.

     أما مصدر هذا التوقع، فهو الإحصاءات الأخيرة لمركز القبول الموحد التي تقول إن نسبة شغل المقاعد التي نصت عليها التوجيهات السامية الأخيرة بزيادة 7000 بعثة دراسية داخلية – وغيرها 1500 بعثة خارجية – قد جاوزت الـ 90% من قبل الفتيات، في حين يحتل الذكور أقل من 10% فقط من تلك المقاعد خلال السنوات الثلاث الماضية منذ صدور تلك التوجيهات، وهي سنوات مازالت مخرجاتها على مقاعد الدراسة ولم تفرزها مؤسسات التعليم العالي إلى سوق العمل بعد.

      إذ تقول تلك الإحصاءات إن عدد الإناث في البعثات الداخلية المقدرة بـ(7000) بعثة جديدة في العام الأول لصدور تلك التوجيهات 2011/2012م بلغ (5.152) في مقابل (584) ذكرا، ليصبح مجموع ما تم شغله من مقاعد في ذلك العام (5.736) مقعدا من أصل (7000)، ليشغر منها ما مجموعه (1.264) مقعدا، خصص (50) منها لذوي الاحتياجات الخاصة، وطرح الباقي للتنافس العام بين مخرجات الأعوام السابقة.

      وفي العام الذي يليه 2012/2013 بلغ عدد الإناث المقبولات على تلك المقاعد (6.295) في مقابل (655) ذكرا، بما مجموعه (6950) مقعدا، ليشغر من الـ (7000)  بعثة (50) مقعدا تم تخصيصها لذوي الاحتياجات الخاصة.

    وفي العام الحالي 2013/2014 بلغ عدد الإناث (6.049) في مقابل (632) ذكرا، ليصبح المجموع (6.681) طالبا وطالبة، وشغر (319) مقعدا. تم تخصيص (50) مقعدا منها لذوي الاحتياجات الخاصة، وعرض الباقي للتنافس العام بين مخرجات الأعوام السابقة، قبل أن يرتفع سقف بعثات هذا العام نتيجة الوفورات إلى (10.000) مقعد، لتطالعنا الإحصاءات التالية بأن الإناث شغلت منها مجتمعة (8179) مقعدا، وشغل الذكور (1437)، ليشغر حتى هذه اللحظة (384) مقعدا عُرضت قبل مدة وجيزة للتنافس العام بين مخرجات الأعوام السابقة.

        يضاف إلى تلك الأعداد من النساء، توجيهات سامية سابقة خلال التشريف السامي لسيح المكارم بولاية صحار في عام 2009م بتخصيص 500 بعثة داخلية للفتيات، التي ستضخ مخرجاتها لسوق العمل بدءا من العام القادم، وقد مضت خمسة أعوام منذ قبول الدفعة الأولى منها.

       ولا ننسى البعثات الداخلية المقرّة سلفا، ومثلها البعثات الخارجية التي سبقت التوجيهات السامية والتي تلتها، مضافا إلى هذا كله المقاعد الحكومية في جامعة السلطان قابوس وكليات العلوم التطبيقية والكليات التقنية، وكلية الشريعة والقانون والمعاهد بأنواعها، حتى بلغ مجموع المقاعد التي تم عرضها عبر مركز القبول الموحد مجتمعة ما يزيد عن (32.000) مقعد. تشير الإحصاءات كلها إلى تسيد نسوي في شغل مقاعدها.

       كل ذلك يفضي بنا إلى مخرجات نسوية لها النصيب الأوفر من الشواغر من وظائف حملة شهادة البكالوريوس، ومن هذه المخرجات من سيكملن دراستهن لنيل الشهادات العليا، مما يعني أن المناصب العليا ستكون متاحة للمرأة أكثر من غيرها، بسبب هذا التسابق النسوي لتحصيل الشهادات الجامعية، يقابله انصراف الذكور أو تدني مستوياتهم الدراسية بما لا يمكنهم من الحصول على مقاعد دراسية جامعية، ويستتبع ذلك وظائف أدنى من المرأة وأوضاع مادية أقل منها.

      وقبل المضي في وضع نتائج محتملة لكل ذلك نجده مهما التأكيد على أن هذه النتيجة ليست بسبب ارتفاع في أعداد الإناث على أعداد الذكور، إذ مازالت إحصاءات وزارة التربية والتعليم تكشف عن ارتفاع عدد الذكور من الملتحقين بدراسة دبلوم التعليم العام في مقابل أعداد الإناث، إذ بلغ عدد الذكور حسب تلك البيانات لعام 2012/2013م (29.853) طالبا، في حين جاء عدد الإناث (23.439) طالبة، بزيادة في أعداد الذكور تزيد عن 6 آلاف طالب، بيد أن عدد الراسبين من الذكور بلغ (15.000) طالب، ورسب من الطالبات (3.472) طالبة.

      في المقابل حصل (8.049) طالبا فقط على معدل عام 65% فأعلى، في حين حصلت (15.992) طالبة على هذا المعدل وأعلى. فليس التسيد الأنثوي بسبب التفوق العددي للإناث، وإنما تسابق علمي نسوي يقابله تراجع علمي ذكوري كبير. 

      كل ذلك يفضي بنا إلى وضع الخطط اللازمة لاستقبال الآلاف من الباحثات عن عمل في مواقع وظيفية تناسب طبيعة المرأة ومؤهلاتها العلمية، وإذا ما افترضنا – جدلا – أن الوظائف كلها في عمان مما يتناسب مع طبيعة المرأة - كما تشهد بذلك المرأة نفسها في مختلف الميادين -  فعلينا إذن أن نضع كل التغيرات القادمة موضع الاحتمال، بما في ذلك شكل الأسرة، ومستواها المادي، وإعادة رسم وضعية الرجل داخل المجتمع والبيت ثقافيا واجتماعيا ووظيفيا وماديا.

       ومن جهة أخرى، فإن الفجوة العلمية بين الذكور والإناث ستتسع، وتتسع معها الفجوة العمرية التي تجعل من المرأة محجمة عن الزواج قبل إكمال دراستها الجامعية، وهو ما لا يضطره الرجل في الغالب لعدم وجود مبرر الانتظار ما لم يكن ماديا، وفي ظل وجود العائق المادي، فإن المشهد العماني في المستقبل سيشهد تأخرا إضافيا في سن الزواج، وعدم استقرار نسبي في مؤسسة الزواج التي ستشترط الفتاة فيها زوجا يضاهيها (علميا، وثقافيا، ووظيفيا).

      الأمر المحتم التفكير فيه الآن، أن تربية الأبناء ستصبح أكثر اعتمادا على عاملات المنازل، في ظل ارتفاع أعداد النساء العاملات مستقبلا بشكل أكبر، وسيتحول المجتمع العماني تلقائيا إلى أنثوية اقتصادية، وأنثوية علمية، وأنثوية إدارية، بحكم المعطيات التي تطالعنا بها المؤشرات أعلاه.  

وبعد،     
أليس على الرجل أن يعيد حساباته، ليدرك بأن مواصلة الدراسة الجامعية أصبحت خيارا أكثر حتمية، في ظل الوفرة الوفيرة من الفرص الدراسية منذ العام 2011م؟

       سيناريو أعرضه، وأسئلة أطرحها، لعلها تجد من يتلقفها ويرسم لها خططها وبرامجها على المستويات كافة، فيقترح لها المعالجات الكفيلة بإعادة التوازن إلى نصابه، بما في ذلك وزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي، والجهات ذات الصلة بوضع الخطط الإستراتيجية والمعرفية بما يتناسب مع حجم الإشكالية المرتقبة.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق