الأحد، 24 مايو 2015

التحرير الأخير

التحرير الأخير

منى بنت حبراس السليمية

مرّت يوم أمس الذي صادف 23 من مايو الذكرى الخامسة عشرة لتحرير الجنوب اللبناني، بعدما انسحبت القوات الإسرائيلية منه في عام 2000م.

خمسة عشر عاما ولا تزال المناسبة تجر معها مشاهد وأحداثا عالقة في الذاكرة تُبعث حية بأحاسيسها وروائحها. ومشهد اقتحام اللبنانيين لمعتقل الخيام وتحرير من فيه من الأسرى - الذين تركهم حرس المعتقل خلفهم؛ ليلحقوا بمن انسحب من قواتهم المندحرة - لا يزال له وهج خاص. مشهد بثته قنوات التلفزة في ذلك اليوم دون حاجة لصوت معلّق أو أية مؤثرات. مفاجئا وطازجا كما هو؛ فللفرح صوته الذي متى ما اقترن بشيء أطّره، وفرحة ذلك اليوم بلا إطار.

يومها جلس أبي أمام التلفاز مسندا ظهره إلى الجدار على يسار الشاشة، وبيده قلم يخط به مدندنا على ورقة أسندها بركبته. يرفع رأسه إلى الشاشة يتزود بها من إحساس اللحظة، ثم يعود ليصبه في ورقته أبياتا شعرية. في ذلك اليوم خرجت من رحم المناسبة قصيدته (لبنان):
عرّج على لبنانَ يا شـــعرُ
واعطر فأنفاس الصَّبا عطرُ

تحرر الجنوب! والأيادي من داخل زنازين معتقل الخيام تمتد مصافحة الحرية في أيدي الجنوبيين عبر فتحات الأبواب الحديدية. مشهد لا يزال يبعث فيّ الرغبة في كتابة فرحة الأسير في لحظات معتقله الأخيرة، وهتافات الشعب تكسر أبواب الزنازين. هل توقع ذلك يومها؟ كم ظن أنه سيبقى هناك أكثر؟ كيف يمكن أن يُترجم هذا الفرح في قصيدة/ قصة/ رواية؟

ورغم مضي خمسة عشر عاما، لا أزال أستعيد مشاهد الحدث عبر اليوتيوب. أستحضره من الأمس، بالإحساس نفسه الذي أصاب بقشعريرة أدمعت لها العيون. وفي لحظات التذكر هذه أستحضر أغنية جوليا بطرس:
نرفض نحن نمــوت،
قولولـ(ن) رح نبقى

أغنية كان يبثها التلفزيون العماني في أوائل التسعينيات بدون مناسبتها (بالنسبة لنا نحن صغار التسعينيات على الأقل)، فيتركنا نتغنى بها دون أن نعرف عن أي جنوب تغني جوليا: "موئلنا يا جنوب .. يا حبيبي يا جنوب. غابت شمس الحق وصار الفجر غروب".

ومع تكشّف المعنى والمقصد، والجنوب، بقيَ السؤال حائرا: هل كان التلفزيون العماني يبث الأغنية (مجردة من أية مناسبة نعرفها) عن قصد؟ في وقت لم تنتشر فيه بعد الصحون الهوائية فنعرف هذا الجنوب أكثر من نشرات إخبارية!

تحرر الجنوب اللبناني إذن، وكنا نتوقعه - بحماس المتفائلين -  فاتحةً لتحررٍ آخر لهضبةِ الجولان، وبمبالغة أكبر .. لتحرر فلسطين. لم نكن نعلم وقتها أنه آخر أفراح العرب، وآخر سياق توظّف فيه كلمة (تحرير) بمعناها الصحيح، قبل أن نعرف أنها لن توظّف لا بالمعنى الصحيح ولا المزيف بعده أبدا.

الجمعة، 22 مايو 2015

عليا

عليا

منى بنت حبراس السليمية

كانت نائمة بسلام في تلك الغرفة في الناحية الغربية من البيت. الساعة تشير إلى السادسة صباحا في ثالث أيام عيد أضحى من عام 92. البيت يضج بأصوات غريبة لم أعتد مثلها طوال سنيني الثمان. عجزت للوهلة الأولى عن فهم سبب الصراخ والعويل الذي كان يصدر عن تلك الغرفة.

جررتُ خطواتي نحو مصدر الصوت برأس أشعث وعيون لم تغسل عنها غبش النوم بعد. كنتُ خائفة من الأصوات أكثر من خوفي من المشهد الذي لم يكن يختلف عن رؤيتها نائمة، ولكن بعينين نصف مفتوحتين.

"عليا ماتت .."
ما كنت أعرف من الموت أكثر من كلمة في كتاب مدرسي. وحتى عندما رأيتها مسجاة أمامي لم أتعرف عليه. فيما شعرت أن الغرفة كانت باردة أكثر مما ينبغي.

سمعتهم يقولون بعد ساعة من النشيج والبكاء حول الجسد الصغير: "الصغار يبقون في البيت. لا تدعوهم يشاهدون عملية الغسل والتكفين"!

أثارتني هذه العبارة أكثر من سابقتها! ولم أكن وحدي من استفزها الفضول؛ فقد شدتني أخت لي أخرى - تكبرنا نحن الاثنتين - من يدي هامسة في أذني: "أعرف مكانا نستطيع أن نشاهدهم منه"!

تصنعنا الطاعة، ولكنها ما لبثت أن دخلت بي إحدى دورات المياه المطلة على واجهة الحوش. أشارت ناحية نافذة تعلو مصطبة للجلوس، يستطيع من يصعد عليها أن يطل على ما يحدث في الخارج. قالت لي: "اصعدي أولا وانظري". صعدتُ كي أعرف ما الذي يريدون إخفاءه عنا نحن الصغار.

ثوان ونزلتُ مباشرة. قلت لها: "لا أريد"!
ترى هل رأيتُ الموت من النافذة؟ ما عدت أتذكر.
هل صعدتْ بعدي ورأت ما رأيت؟ لم أسألها.

لم أبكِ يومها، ولا في الأيام التي تلت ذلك. بكيت بعد انقضاء الإجازة الصيفية، عندما سألتني إحدى المعلمات في أول يوم دراسي: أين عليا؟

في تلك اللحظة فقط عرفتُ أنها ماتت، وبدأتُ معها حدادا متأخرا كان ينقصه الوقت اللازم للإدراك. كم عشتُ معها؟ كم عرفتُها؟ لستُ أدري.

23 عاما مضت، وليس لـ عليا سوى صورتين اثنتين وربما ثلاث .. غادرتْ ولها من العمر 7 سنوات. وعشتُ لأتذكر شذرات من حياة قصيرة لم تتسع لأكثر من اجتياز الصف الأول الابتدائي بتفوق.

الخميس، 14 مايو 2015

سلامة

سلامة

منى بنت حبراس السليمية

أرادت سلامة أن يكون زفافها زفافا يليق بآخر العنقود في العائلة، ولكن الموت كان حاضرا عندما اختطف قبل أسبوع من زواجها طفلة أختها فجأة ودون سابق إنذار، فحدث العرس صمتا.

عزت نفسها بزوجها (سعيد) الذي كان زواجها منه يشبه اسمه. أثمر حبهما طفلا أصبح اليوم عمره ثلاث سنوات، والبارحة كان الموت مرة أخرى على الموعد مع (سعيدها). اختطفه في حادث سير على طريق بدية - مسقط.

أنا لا أجيد تأدية فروض العزاء. أفشل دائما في فعل المواساة. لا أعرف كيف أقول للباكي لا تبك. أشعر أنني أكذب عليه أو في أفضل الأحوال أحاول منعه من ممارسة حقه في الاستشفاء من الحزن .. البكاء يشفينا

5/4/2015

الأحد، 10 مايو 2015

خوف

خوف

منى بنت حبراس السليمية

تقول لي كلما وجدتْ فرصة: أنا أشعر بمحبتك لي، ولكني أخافك أكثر!

وفي كل مرة ترمي عبارتها هذه، أحاول أن أستوضح منها سر خوفها فأفشل في الفهم، أو لعلها تفشل في الإيضاح.

وأيا كانت مشاعر أختي الصغرى تجاهي، فهي - كما أراها - تشبه قصة قصيرة جدا. مكتنزة ومكثفة وتقول ما تريده سريعا، دون إضافات ولا رتوش. إنها تجيد كتابة الجنس الأدبي الذي يشبهها تماما!

أسعدتني هذه الفتاة مرتين: مرة عندما ولدتْ فوجدتُ فيها دميتي التي هجرتُ لأجلها كل الدمى والألعاب، ومرة عندما اكتشفتُ موهبتها في كتابة القصة القصيرة جدا.

ولستُ أدري ما مبرر سعادتي بكونها تكتب القصة القصيرة جدا! ولكني على الأقل وجدتُ فيها من يشترك معي في حب الكلمات، أيا كان الشكل الذي نصبّها فيه. وعلى الأقل - كذلك - وجدتُ من يفهم معنى الكتابة وقيمتها!

ولكن ثمة فرح ثالث أهدتني إياه مع الأيام، وهو أننا أصبحنا صديقتين أكثر منا أختين. ولكم تندهش عندما أطلب منها مراجعة نص لي قبل نشره، فتقول: "كيف تسألني الناقدة أن أراجع لها نصها؟!" ورغم تحفظي على صفة الناقدة هذه أقول لها: "ليس الناقد ناقدا عندما يكتب نصه الخاص!"

اليوم - في ذكرى ميلادها الثالثة والعشرين - أقول لها إني أحبها كثيرا، وإن كنت لا أزال عاجزة عن فهم سبب خوفها مني. ولكن إذا كان لابد أن تخاف، فلتفعل .. ففي بعض الخوف مكانة أقدّرها لها.

كل عام وأنت حكاية صغيرة جدا لا تريد أن تكبر.

الثلاثاء، 5 مايو 2015

مصلحة

مصلحة

منى بنت حبراس السليمية

لم أدّخر وسيلةً تغريها بشراء مخروط الآيسكريم في كل مرة أرافقها فيها. تعرف أني أحبها، وكنتُ أعرف أنها لا تحب الطبقة العلوية من المخروط، فأتكفل بتخليصها من المكسرات، وتتكفل بسداد الفاتورة!

الجمعة، 1 مايو 2015

إنهن ساحرات

إنهن ساحرات!

منى بنت حبراس السليمية

القدس العربي 13 من مايو 2015م

     كثير منا يعرف عن المغرب العربي جمالَه وخضرتَه وأنهارَه وشواطِئَه الممتدة، المطلة على البحر الأبيض المتوسط شمالا، والمحيط الأطلسي غربا. وعن صحرائه الجنوبية التي لا تشبه حرارتُها لهيبَ حرارة الربع الخالي صيفا. ولكن كم منا يعرف عن المغرب العربي تاريخَه القديم والحديث الذي لا تزال كل مدينة فيه شاهدة عليهما معا، تُسوِّر كلُّ مدينة فيه شواهدَها القديمة لتحفظها من الاندثار، وتقيم صروحها الحديثة بجوارها في مؤاخاة قلما نجدها في المدن العربية المهرولة نحو حداثة لا تلوي على شيء؟

     يغبن العربي نفسه بتصورات مسبقة عن بلد جميل لحساب وَهْمٍ يجعل منه موضع شبهة لمجرد التصريح بزيارته له أو الحديث عن نيته بذلك؛ وكأن ليس من وراء زيارة المغرب إلا هدف وحيد (غالبا) سرعان ما يقفز في الأذهان الموهومة بتصوراتها البعيدة عن الموضوعية والإنصاف، ويبقى يغمز ويلمز كل رائح وغاد من المغرب وإليه.

     ولعلنا بمحاولة بسيطة للنبش في مصدر تلك الصورة، وعن أسبابها التي شوّهت واحدا من أجمل بلاد العرب وأعرقها تاريخا وثقافة وحضارة، نصل إلى ما يجعل المرء يضرب صفحا عن كل تلك المقومات السياحية والتاريخية والحضارية ليستحضر تلك الصورة دون سواها.

     إنها ليست سوى تلك النماذج (غير الممثلة) التي تفد إلى البلدان العربية ومنطقة الخليج العربي – خصوصا – تحت دوافع ليس أولها الحاجة، وليس آخرها (في المقابل) الجيوب المنتفخة التي لا همّ لأصحابها إلا إشباع الغرائز، أو تلك النماذج (الرجالية) التي تذهب إلى المغرب للغايات الوحيدة، فتعود مروّجة لتلك الصورة ومكرّسة لها ببعد وحيد، رغم أن المطلب الذي تكبدت مشقة السفر من أجله متوفر بسخاء في كل مكان، حتى دون أن تكلف نفسها عناء تجاوز الحدود!

      ومهما يكن من أمر، فقد حدث أن تآزر الذاهب مع صورة الآتي ليرسما معا صورةً تعميمية عن بلد تنطبق على غيره من البلدان، طالما توفر المطلوب الذي متى ما سعى إليه الطالب وجده بالضرورة، غير أن الحظ لم يكن في صف المغرب عندما عانق بلدانا أخرى لم يشملها إطار الصورة!

      وعلى الجانب الآخر، كثرت نعوتٌ تصف المرأة المغربية بالسحر الذي يتعلق به الرجال فلا يرومون منه فكاكا، حتى صارت النساء يحاذرن من إصابة أزواجهن بالسحر المغربي الذي سيأخذ منهن رجالهن، في صورة موغلة في الرجعية التي لا تزال تؤمن بقدرات خارقة يأباها المنطق وتصدقها عقولهن العاجزة، ويبرهنّ عليها بسَوق الحكايات عن فلانة التي تزوّج زوجها عليها من مغربية جعلته لا يرى سواها، أو تلك التي عجزت حيلتها عن ثني زوجها عن زيارة المغرب فراحت توصي الأقربين منه بمراقبته!

      صور من هذا القبيل لا تكرّس في الحقيقة إلا أحد أمرين - بالتوازي مع الصورة الشائهة - وهما: سذاجة الرجل الذي يتبع سحرا يعرف يقينا أنه غير موجود، وعجز المرأة وهي تداري عقدة نقصها بقذف التهم جزافا و(مبالغة) على غيرها، في محاولة منها للحفاظ على البقية الباقية من زوجها المسحور!

      إن صورة نمطية كهذه لا تشكل مشكلة لمن أُخذت عنها، بل هي مشكلة في ذهن راسمها وحسب، ودليلُهُ أن المرأة المغربية ليست معنية بهذه الصورة المرسومة عنها، وليست مهتمة بما يقوله الواهمون في ظهرها وعلى مسمعها، وليس اللهاث خلف تعديلها من قائمة أولوياتها، بل تراها تعيش حياتها بكل الألوان الممكنة للحياة. تعيشها بعمق الإرث التاريخي العريق لبلدها، مستفيدةً من الانفتاح المعرفي والحضاري الذي تصحو عليه وتمسي ممارسة لا تشدّقا. تعيشها بصلابة الأجيال التي نشأت على مدرجات الجامعات المغربية التي أنتجتها سليلةً لآباء وأمهات تتلمذوا على أيدي كبار المفكرين العرب من المغاربة وسواهم في وقت لم يكن لدى غيرهم مبنى مدرسة.

       فالقضية ليست في رسم صورة نمطية عن بلد برمته، وإنما في تعميمها على نحو يشكل خطأ حضاريا لا يغتفر بصرفه النظر عن كل المميزات التي تجعل منه وجهةً مشرقة في أقصى غرب وطننا العربي. بلد بمجرد ما تطأه قدماك تكتشف الغبن الذي طاله وطال نساءه اللائي لا يشبهن بتاتا تلك الصورة التي ترسخت على مدى ليس بالقصير، ولن يعجزك الأمر جهدا لتعرف المرأة المغربية الحاضرة في كل وجوه الحياة بكدّها وجدّها، بثقافتها ووعيها، واستفادتها المثلى من جغرافيتها التي وضعتها في ملتقى حضارات العالم الحديث: الأوروبية شمالا، والأمريكية غربا، دون أن تتنكر لعروبتها التي تواجه بها ما مرّت به بلدها إبان الاستعمار وبعده، الأمر الذي يجعل من المغرب أكثر تشبثا بتاريخه وتراثه خلال مسيرة انطلاقته نحو المستقبل كردة فعل لاستعادة ما طُمِس من هويته. يفعل كل ذلك بموضوعية وواقعية تَفهم السياق الخاص الذي يعيشه.

       ومرة أخرى أستحضر ندوة "المستقبل وصورة العربي في رواية الآخر" التي عُقدت في الكويت في يناير الماضي، ومحاولتها النبش في صورة العربي في رواية الآخر. فإذا كانت صورة العربي في عين العربي شوهاء غير صحيحة، فكيف ننشد صورة مغايرة عند غير العربي؟ وإذا كنا نطالب الغرب بأن يحررنا من نظرته المسبقة والجاهزة إلينا، فالأجدر بنا دائما وأبدا أن نحرر أنفسنا منها؛ فتلك النظرة بقدر ما تسجننا في إسارها، تُحررنا متى ما تخلصنا منها. ألا تستحق المرأة المغربية حريتها من هذه النظرة التي سجنتها طويلا، وجعلتها – وحدها – تتحمل وزر وهمٍ لا يخصها بالضرورة، وليس حكرا عليها دون سواها؟ ألا تستحق في المقابل أن يُنظر إليها بعين أخرى تبحث فيما يميزها عن غيرها فترفع عنها ظلما لا يليق بنا جميعا؟

       إن ما تَقصُر عنه نظرتنا المشوِّهة هو أن المرأة المغربية تجيد تلوين حياتها تماما، فتخلق لنفسها عوالمها التي تشبه طبيعة بلدها المتنوعة في تضاريسها، وتعيش الفصول الأربعة كما ينبغي، لتشعر بها ومعها أن يومها أكثر من أربع وعشرين ساعة ملونة بالبهجة، فلا تتشابه لديها الليالي والأيام.

      تتقن المرأة المغربية الاعتناء بنفسها كما تجيده في كل ما حولها، لتكون تلك المرأة المثقفة العصرية، والمربية الحريصة، والزوجة المثالية، والعاملة الجادة، التي لا تزال تجد في يومها متسعا للقراءة والكتابة، أو النزهة وحضور حفلة في المساء، أو التسوق وممارسة الرياضة، دون أن تنسى موعدها الأسبوعي في الحمّام المغربي وصالون التجميل. تعيش حياتها بطولها وعرضها، وتجدها حاضرة بالتساوي في كل مكان يجب أن تكون فيه كما يليق بامرأة تتقن الحياة بكل ألوانها.

      وفي الوقت الذي تبني فيه علاقتها الرصينة ببيتها (مملكتها الخاصة) على نحو فريد قولا وعملا، ترفض أن تشاركها فيه عاملة منزل إلا فيما ندر، وإن حدث فلساعات محدودة وبمُعِينة من جنسيتها. وهي تنفق الوقت في مطبخها ساعات تجعل للأكلات المغربية ذلك الصيت الذي لا تخطئه الذائقة العربية. ولا تكتمل أنوثتها دون أن تجيد أدق الوصفات وأصعبها، وتستنكف من الاستعانة بمطعم يوفر لها ما تقدمه لضيوفها، فضلا عن أناقة البيت المغربي التي لا تختلف باختلاف المستويات الاقتصادية للأسر المغربية.

      كل ذلك اكتسبته بحكم الثقافة الاجتماعية التي نشأت عليها، ولا تكاد تُستثنى واحدة من هذه القاعدة التي يمارسنها بحب، وإذا كان لابد من سحر يفسّر هذه الطاقة على الحياة تأخذ باللب ولا تتركه، وتجعله مشدوها أمام امرأة لا يفتّ في عضدها شيء، فأقول: نعم إنهن ساحرات!