الاثنين، 31 أكتوبر 2016

في الذكرى الثانية والثلاثين لميلاد أخضر

في الذكرى الثانية والثلاثين لميلاد أخضر

منى بنت حبراس السليمية

٣٢ عاما مضت وكنت أظنها لا تمضي..
أنا التي لم أعرف متى ولدتُ إلا عندما أصبحتُ في الصف الثالث الابتدائي!!
كان سباقا كما أحسب تتباهى به الفتيات الصغيرات كلما سألتهن المعلمة عن تواريخ ميلادهن..
وكنتُ وحدي أقف عاجزة عن معرفة الإجابة..

وعندما سألتُ أمي، قالت إنها لا تحفظ تاريخ ميلادي. وفي الواقع كنت مخطئة بسؤالي لأمي؛ فأمي كانت ومازالت لا تجيد حفظ التواريخ، إذ نحن وما يحصل لنا تقويمها الوحيد الذي تعرف؛ فبنا وحدنا تؤرخ أحداث حياتها: "عندما ولد أخوك فلان كان كذا، وعندما ولدتِ أنتِ حصل كذا"، وليس مهما بعد ذلك في أي تاريخ من الشهر أو العام أو القرن ما حدث.

الآن أفكر أنه لو قال لي أحدهم يومها إنني ولدت في عام 1945 لصدقته!
فتواريخ ميلادنا شيء لا يعنينا طالما غاب عن الذاكرة، وكل ما لا يرتبط بذاكرتنا ليس مهما أن نعرفه، إنه شيء قبل الذاكرة تحديدا.

ولكني عرفت من شهادة ميلادي أني من مواليد 30 أكتوبر 1984م؛ ففرحت كمن اكتشف تاريخ الأرض، أو بدء الخليقة..
فقد أصبح لي تاريخ يؤرخني. تاريخي الذي يبدأ قبل ٣٢ عاما.
أحببت هذا اليوم/ الرقم (30- 10) كثيرا.. فلطالما أحببت مضاعفات العدد 10 التي تجد طريقها إلى الذاكرة سريعا، ولكن هناك ما ارتبط بهذا التاريخ فصبّه كخرسانة لا تتزعزع من ذاكرتي؛ فهو يوم ارتبط بوفاة أنديرا غاندي .. في اليوم نفسه، والساعة نفسها، من العام نفسه 1984م.. هذا مما عرفته لاحقا.. (أثق في ذاكرة عمتي رغما عن أنف جوجل الذي قال إنها اغتيلت في 31)

أليس عظيما أن يؤرخ ميلادك بوفاة أحدهم كحجم غاندي؟
ولم أعرف أية فكرة كنت أهجس بها بأن روح أنديرا غاندي هي من يسكنني الآن، وكنت أخاف من الوحدة؛ حتى لا تستفرد بي روحها لتكشف لي ما لم أعرفه ولا أريد أن أعرفه عن السياسة والاغتيالات.. ولكني كعادة المسلمين أسارع بالاستغفار خشية أن أتلوث بفكرة تناسخ الأرواح دون سابق رغبة أو ترصد!

نعم.. هي ٣٢
أقولها فخرا بسنيني التي مضت، وأعلن بها عهدا جديدا عليّ أن أعيشه، فلست أعاني عقدا عمرية في إعلان عمري الحقيقي، فهو الشيء الوحيد غير القابل للسرقة أو الإنقاص، ولست أجد في نفسي - في الثانية الثلاثين - رغبة في العودة إلى الخلف يوما.

وتذكروا.. أن غدا هو يوم الشجرة أيضا، يوم آخر اقترن  بتاريخ ميلادي في ذاكرتي كذلك، فلعلي كنت سببا في اخضرار العالم!!
أترونني بالغت؟
حسنا حسنا لا تغضبوا.. كنت أعني اخضرار ذاكرتي تحديدا.

ولكني أتفكر الآن: ماذا أضفت إلى الحياة حتى هذه اللحظة، وماذا أضفت لنفسي خلال سنيني هذه؟
محطة أختم بها أكتوبر لهذا العام .. و٣٢ عاما مضت

محطة نذرتها للتأمل...

فمنذ الغد أنا شخص آخر

2016

كأسان

كأسان

منى بنت حبراس السليمية

استغرب النادل عندما طلبت كأسين لإبريق واحد، وقد علم أني لا أنتظر أحدا. أدخل مقهاه يوميا صبحا ومساء بلا رفيق سوى كتاب أتأبطه وحقيبة يدوية صغيرة. أحضرَ الكأس الثانية ورحت أصبّ ما بقلب الإبريق دفعة واحدة موزعة إياه على الكأسين. وقبل أن أنصرف قلت له:"الأتاي لا يطيق الانتظار في قلب الإبريق، وأنا لا أطيق مرارة الكأس الثانية"

السبت، 22 أكتوبر 2016

بلاليط أمي ميمونة

بلاليط أمي ميمونة

منى بنت حبراس السليمية

اسمها ميمونة. ونناديها "أمي ميمونة"، كما جرت العادة صغارا أن نسبق أسماء النساء في الحارة بكلمة أمي. لم تكن أمي ميمونة امرأة ظاهرة بالمعنيين الفيزيائي والمعنوي، فقد كانت امرأة ضئيلة وهادئة على الدوام، مطيعة لزوجها وزوجته الأولى التي كنا نسمي بيتهم باسمها: "بيت أمي أسما"، ولكنها حفرت في ذاكرتي مواقف لا أنساها، رغم أنها وعائلتها غادروا الجوار وانتقلوا للسكن في عمق سمائل.

تنزل أمي ميمونة علينا كملاك يتحسس بقدرته الخارقة أوان ضعفنا، ولم نكن نسأل أنّى لها ذلك، ولكن السؤال الآن يجد نفسه شاخصا في زحمة الذكريات. تأتي وتذهب دون أن يستوقفنا مجيئُها، وكأنها خفة الهواء، أو اعتيادية الوقت.

مرضتُ يوما بألم ضرس، ولم تأخذني أمي لطبيب الأسنان أو أبي كما تفترض البديهة، ولكني أتذكر أمي ميمونة وهي تمسك بيدي على الرصيف، وبيدها الأخرى توقف تاكسيا يقلنا إلى المستشفى.

أتذكر نشيجي وبكائي ويدها تطوقني داخل سيارة التاكسي، وهي تهمس لي:"ما تصيحي ماه تراه يزيد"

دقائق واقتعدنا كراسي الانتظار أمام باب الطبيب، ننتظر دورا لم أعرف إن كان تأخر أو أنه أتى على مقاس احتمالنا للصبر. دلفتْ معي كحارس أمين، وراحت تشرح للطبيب وجعي وتاريخه ودرجة ألمه، ووقفت على رأسي تمسح عليه، وتهوّن شدة خلع الضرس علي. بعد خروجنا أتذكر جملتها العالقة في أذني كجرس: "شفتِ كيف ما يعور؟!" وقفلنا عائدين في تاكسي آخر إلى البيت.

خلال كل ما مضى، لم أسأل أين كانت أمي، أو بقية أهلي! ما أعرفه أن أمي ميمونة انبثقت لحظة الألم وأنهت قصته.

مرة أخرى .. بل مرات تدخل علينا قبل ذهابنا إلى المدرسة، وقد كنا خمسة في البيت أخوة وأخوات صغارا في صفوفنا الدنيا بمدارس مسائية، دون كبير في البيت يسند احتياجاتنا، وأيضا لم نسأل أين هم! تأتي أمي ميمونة وتسألنا "تريقتوا باه؟" فنرد أن لا، فتقول لأختي التي تكبرني بعام: "تعالي ماه معي المطبخ"، وتعد لنا طبق "بلاليط" وتضعه على السفرة وتقول: "تريقوا باه" وتنصرف.

عندما كبرت، رحت أسأل: لماذا كانت تعد لنا أمي ميمونة "البلاليط" في كل مرة وليس بيضا مسلوقا مثلا؟ أو لماذا ليس فولا أو حمصا أو شيئا آخر؟ ولكني الآن فقط صرتُ أفهم أنها تنتقي الطبق الذي لا يتطلب أكله خبزا! والآن فقط صرنا نعرف أن بيتنا كان بلا خبز أيضا!

تدخل أمي ميمونة وتخرج دون أن تُحدث ذكرا، حتى كبرنا، وراحت مواقفها تتضخم في ذاكرتي حتى زاحمتها. كانت جارة تعرف كيف تعزف فنون الجيرة دون أن ينتبه لها أحد. وحدها من كان يعرف كيف يكون جارا دون أن ينتظر مقابلا أو حتى رد الجميل.

دعارة بحثية

دعارة بحثية

منى بنت حبراس السليمية

لم أجد وصفا يليق بما نقله لي صديق بأن عددا من الدارسين في مرحلتي الماجستير والدكتوراه يقصدونه ليكتب لهم أطروحاتهم، ويضيفون: أنهم قد جمعوا المادة الخام ورسموا الفصول وبوّبوا الأبواب ورصدوا المراجع، وإنما يحتاجون فقط لصاحب لغة يصيغها لهم في شكل بحث أكاديمي.

لم أجد وصفا يليق بهذا أفضل من كلمة (دعارة)، وأستميح حياء من ستخدشه هذه الكلمة، لأن هناك من يتبجح بامتلاكه الخبرة العملية والعمق الفكري في مجال بحثه، ولكنه يعجز عن صياغة أفكاره وجهده الذي سيقدمه للجنة المناقشة! وكأن العمق ممكن دون لغة تعبّر عنه!

وراح هؤلاء يعرضون على صديقي هذا الأرقام بأصفارها التي تنتصب بإغراء لقاء عمله الذي سينالون به لقبا علميا يرفعهم في السلّم الوظيفي، وهي الأرقام التي بسببها راحت تتناسل أشكال التجارة التي تتكفل للباحث بإعداد أطروحته وتنفيذ ملخصها، بل وتهيئته ليوم المناقشة بما يجعله يبدو صاحب الجهد لا سواه!

ولا حاجة مطلقا لاستعادة أعداد الشهادات الأكاديمية المزورة التي أفصحت عنها وزارة التعليم العالي غير مرة، فتلك قصة أخرى. وإنما أُذكّر بأن أعقد أنواع التزوير الذي يصعب كشفه، هو ذاك الذي يكون في الرسائل الأكاديمية. ولكم أن تتخيلوا أعداد تلك الرسائل المسروقة أو المزورة أو المشتراة في مكتبات الجامعات محليا وخارجيا، بينما يتبوأ أصحابها مراكز ومواقع ينظّرون من على منابرها ضد الفساد والمفسدين.

وإذا كان الذوق العام قد تعوّد على التحسس من لفظة (دعارة) مقرنا إياها بالجسد لا سواه، فإن دعارات أخرى أفظع وأشنع طالت أشياء أخرى في حياتنا العملية والعلمية. وفي ظني لا أسوأ من دعارة تطال العلم وتفسده، وتظهر صاحبه بأبهى صور الاجتهاد والمثابرة، بينما يخفي عيبا خلف موقعه الجديد، الذي حصل عليه بعد لقب علمي مدفوع الثمن!

الخميس، 11 أغسطس 2016

حرق

حرق

منى بنت حبراس السليمية

خان التقديرُ إحدى المعلمات عندما راحت تُوبّخ تلميذة في الصف السادس الابتدائي في طابور الصباح؛ لأنها حضرت إلى المدرسة بحجاب بيتي!
وعبثا حاولت التلميذة أن تقول بين شهقاتها المتقطعة، إنه كان بإمكانها أن تتغيب عن المدرسة بسبب حجابها المدرسي الوحيد الذي أحرقته المكواة قبل قليل!

نافورة الأمنيات

نافورة الأمنيات

منى بنت حبراس السليمية

إنها المكان حيث "النساء الراغبات في الحصول على أطفال، والحموات اللواتي كن يمارسن السحر على كناتهن. والعذراوات اللواتي يرغبن في الزواج بأزواج موسرين .. يأتين إلى هذا المكان ويرمين بقطع النقود المعدنية في الماء"، ويرحلن.

كانت رؤيتي للنافورة بمدينة أدنبرة مثيرة لذكريات كل ما قرأته عنها من قبل، وراودتني تلك الفكرة المرحة نفسها التي نفذتها (بمبي) بطلة رواية شرف لإليف شافاق بتسلق سياج النافورة وجمع قطع النقود، ثم أركض بأسرع ما يمكنني - كما فعلت بمبي وأختها التوأم جميلة - في فرح وسرور، وأتجه إلى أقرب الدكاكين فأشتري الحلويات على شكل عصا.

ولكني خشيت من الإحساس نفسه بالذنب بعد ذلك، لأنني سأدرك بأني سارقة، بل أسوأ، "فسرقة أماني الناس أكثر خسة ودناءة من سرقة نقودهن" - شافاق

يصحو الضمير حتى مع أشد المعتقدات سذاجة، فرغم إغراء الصورة يبقى جمالها كما هي .. بقطعها النقدية الملونة من كل عملات الأرض، فتجبرك على أن تحترم المسافات التي قطعها أهلها من أجل مساومة النافورة على أمنية مقابل قطعة نقدية.

الأربعاء، 4 مايو 2016

رزق

رزق

منى بنت حبراس السليمية

يقتاتُ الخوفُ على نفسي،
فأمنحُه فرصةَ أن يحظى برزقِه منها،
لعله يتركني بعدها بلا خوف،
أو..  يتركني خوفاً بلا نفس!

الجمعة، 29 أبريل 2016

أرواح ضاق بها المكان

أرواح ضاق بها المكان

منى بنت حبراس السليمية

لا أذكر على وجه الدقة كم كان عمري يوم سقطت مكتبة أبي الخضراء أرضا بما فيها من أثقال ناءت بحملها لسنوات. اختلط خشبها ونشارته بالأغلفة والأوراق، وساد الغرفة الملاصقة لمجلس الضيوف – حيث كانت – خراب هائل كان يستند بضخامته قبل ذلك الحدث إلى الجدار.

كانت تلك أول مرة أنتبه فيها إلى وجود مكتبة في البيت. جمعنا الكتب جماعيا – ولكن عشوائيا كذلك – صغارا وكبارا في محاولة للسيطرة على الدمار وتنظيفه، وصففنا الكتب على الأرض آخذين بقايا ما كان مكتبة إلى طريقها الطبيعي في انتظار عودة أبي من عمله لننظر ماذا يرى.

لم يهتم أبي بذكرى ما كان مكتبة بمجرد اطمئنانه على سلامة كتبه وقد رآها مرتبة في أكوام على الأرض، وأخال أنه لو رآها وهي جاثمة بين خشبها لحظة السقوط لهاله المنظر. أمَرنا ببساطة أن نزيح الكتب إلى الزوايا وتحت الأسرّة ريثما يبتني لها مكتبة جديدة أكثر صلابة وتحملا.

في اليوم التالي كان النجّار يأخذ مقاسات الجدار الشرقي من مجلس الضيوف من أقصاه إلى أقصاه، وراح يبني مكتبة تسلقتْ رفوفها السقف وأخذت مساحتها الجدار كله. يومان والمكتبة جاهزة لاحتضان الكتب المنتظرة تحت الأسرّة، وراح أبي يفرزها بينما كانت أمي وعمتي تمرران عليها منديلا مبللا لإزاحة ما علق بها من غبار جراء وقعة المكتبة القديمة.

تسلقنا الرفوف الجديدة بإيعاز منه لصفّ الكتب التي أرادها أن تكون في الرفوف العلوية حسب الترتيب الذي أملاه علينا. يوم كامل وأصبحت المكتبة الجديدة شامخة في صدر مجلس الضيوف كما لم تكن من قبل في البيت مكتبة. في البدء كان شكلها وحده ما يثير دهشتي، فقد كنت أدلف إلى المجلس وأبقى أتأملها رافعة رأسي الصغير إلى أقصى مداه؛ ليطال نظري تلك الكتب التي صارت بعيدة جدا فوق رفوفها العلوية، ونزولا إلى الرفوف السفلية التي حفلت بالكتب التي ظن أبي أنها تصلح لأطفاله.

مع الوقت صرت أطالع العناوين، وشدني بعضها الذي رحت أتصفحه في سن مبكرة. من هناك بدأت علاقتي بالقراءة، وإن كان تعلقي بالمكتبة بدأ مع تلك الحادثة التي ربما لولاها لما انتبهت إلى وجود تلك الكائنات في بيتنا، فإن طبعا تسرّب إلي من أبي ولازمني حتى ساعتي هذه، فقد حدث مرة أن أعار أحدهم موسوعة من خمسة مجلدات ولكنها لم تعد. حزن أبي لذلك، ولم يجد في نفسه جسارة ليطالب مستعيرها بإعادتها، فخرجت بأجزائها الخمسة ولم تعد.

ومرة أخرى أعار آخر ثلاثة مجلدات ذهبت هي الأخرى ولم تعد، وحاول مرارا البحث عنها في معارض الكتب حتى عثر على نسخة أخيرة ومهترئة في معرض الكتاب 2008م.

ولما كان لا يحب رد طالب كتاب، في الوقت الذي يؤلمه ضياع كتبه، راح يسطّر بيتين وضعهما بداخل برواز، معلقا إياهما في واجهة مكتبته:

يا مستعيرَ الكتبِ       لستُ أعير كتبي

لأنها أحبتـــــــي       وإنني حِبٌ أبـــي

وبذلك جعل البيتين ينوبان عنه الرد قبل أن يفصح طالب كتاب عن طلبه، مجنبا نفسه حرج طلبات إعارة لا تفي بوعودها، وتاليا صار حزنه على ضياع كتبه يسكنني، فصرت لا أطيق إعارة كتاب أبدا، وهو طبع مازلت أكافح للتخفيف منه دون جدوى؛ فقد أيقنت أن الناس غالبا يعيدون الأمانات إلى أهلها إلا إذا تعلق الأمر بكتب يستعيرونها!

امتلأت مكتبة أبي وفاضت، وبعد وفاته عمدتُ إلى إغلاق شرفة تطل على الجانب الجنوبي الشرقي من البيت وتحويلها إلى مكتبة، فكبرت هذه أيضا وأصبحت أكبر من سابقتها، ثم بعدها بسنوات أخذت تضيق وما كان من بد غير التفكير في مكتبة ثالثة،  ولكن في غرفتي هذه المرة، ولكنها سرعان ما امتلأت مفترشة الأرضيات مُراكمة الجديد كل مرة.

إلى هذا الحد ما عادت أمي تطيق مزيدا من الكتب خارج الرفوف، فقد كانت رؤيتها وهي تضيّق الواسع من الأمكنة يجعلني تحت طائلة عتبها المستمر، حتى صرت أهرّب الكتب من أبواب خلفية لأجنب أمي رؤية الجديد منها، ومجنبة نفسي  توبيخا مستحقا في آن.

الحديث عن ترتيب الكتب والمكتبات حديث البدايات، عندما يكون في الرفوف متسع والمكتبات جديدة لا تزال، ولكن عندما تضيق المساحات ولا تجد الكتب مستقرا طبيعيا تقيم فيه، فلا تحدثني عن ترتيب ولا تنظيم، فقط أن تَسلم من السخط والعتب والتهديد المستمر بنهاية تشبه نهاية الجاحظ، تلك هي القضية.

الاثنين، 14 مارس 2016

سيادة الوقت

سيادة الوقت

منى بنت حبراس السليمية

ما معنى أن يكون اليوم آخر أيام عملك، وتستسلم بعده لعام كامل منتظر لتنجز فيه ما تحب؟

ما معنى أن تغلق جهازك المكتبي على أمل أن تجده كما هو بعد عام كامل؟

وأن تطفئ مصابيح مكتبك في آخر اليوم  كعادتك، ولكنك هذه المرة تقف عند الباب وتلتفت لتلقي نظرة قبل أن تمضي كما ليست عادتك؟

اليوم سأتمهل في طريق العودة، فلا شيء يدفعني لأن أسرع كما هي عادتي..

وقد يحلو لي أن أتوقف في محطة بنزين أو أكثر .. وربما كلها..

سأتأمل الشارع وكأني أراه للمرة الأولى، ولن أتضجر أبدا لو صادفت زحاما يؤخر وصولي إلى البيت.

كل ما أفكر فيه الآن: هو الوقت الذي أصبحت سيدته أخيرا، لأفعل به ما أشاء وما أحب.

اليوم .. أنا كائن يملك نفسه تماما، ومن الغد أنا وما أريد أن أكون ❤

الخميس ١٠ مارس ٢٠١٦
٢:٣٠ ظهرا

الخميس، 25 فبراير 2016

هدية

هدية

منى بنت حبراس السليمية

كنت تلميذة في الصف السادس الابتدائي يوم غضبت عليّ أبلة سهيلة معلمة الرياضيات لأنها وجدت المسألتين اللتين كتبتْهما على سبورة اليوم السابق لم تُنقلا إلى الدفتر ولم أحلهما في البيت.

حزنتُ لغضبها، وشاءت الصدفة أن يكون الغد يوم المعلم، فعقدت عزمي على شراء هدية ترضيها عليّ، ورُحت أختارها بعناية وأغلفها بمحبة كبيرة. في صباح اليوم التالي خبأتُ الهدية بحرص في حقيبة المدرسة وانتظرتُ حصة الرياضيات بصبر نافد، وبعد انتهاء حصتها جريت خلفها ومددت لها بيدي منتظرة أن تفرح وتضمني إلى حضنها وتقول لي: لقد سامحتك

ولكنها فاجأتني بعدم قبولها هديتي، وقالت لي ما لن أنساه أبدا: "ما أنتظره هي منى المجتهدة التي أعرف وليس هديتها". ومضت

حزنت لردها هديتي، ولكني سررت لأن منى التي أغضبتها، تلميذة مجتهدة حسب وصفها حتى وقت قريب.

وعندما صرت معلمة - ولسنة واحدة بالمناسبة - وجدتني أعمد في اليوم السابق لعيد المعلم إلى تنبيه طالباتي بلهجة شديدة - أقرب إلى التهديد - إلى أنني لا أقبل هدايا عيد المعلم، وأني سأردّ هدية من تأتيني بها في الغد!

لم تستطع الطالبات فهم أني أشعر بحساسية عالية تجاه الهدايا مهما صغرت، وأنها تُشعرني بامتنان هائل حتى آخر يوم في عمري، وأني أُكبَّل بجميل المُهدي ما حييت، ولا يستقيم والوضع هذا أن أوبّخ اليوم على تقصير من أسدى إلي هدية في الأمس.

ليس ترفا البتة عندما يقول المعلم لطلابه: هديتي هي نجاحكم وتفوقكم، ففي الواقع - وبالنسبة لي على الأقل - الهدايا امتنان كبير يمتد مدى الحياة، ولا يستقيم معها الثواب والعقاب اللذان هما من مهمات المعلم.

ولست أدري كيف تستطيع معلمة أن تعاقب طالبة أهدتها في مناسبة كهذه وردة، أو عقدا ذهبيا!

24 من فبراير 2016م

الأربعاء، 20 يناير 2016

التماعة

التماعة

منى بنت حبراس السليمية

عندما عُمّمت إعلانات منح الدراسات العليا في الخارج على الموظفين في الآوت لوك قبل ثلاثة أشهر، التمعت عيناها بغبطة لا تخفى. سحبتْ الإعلان في نسخة ورقية وقدمتها بطلب مَدّته لمديرها:
- أريد أن ألتحق بهذه.
- عليك أن تفعلي فورا. قال لها، ورصع موافقته مكتوبة على واجهة الطلب.

خلال الأشهر الثلاثة تمت خطبتها، قبل أن يصدر النداء الأخير من دائرة تنمية الموارد البشرية بضرورة إرفاق الشهادات المطلوبة للمرشحين مع قوائمهم النهائية، فسألها يطمئن:
- هل سلمتِ جميع أوراق الترشح؟
- أنتظر موافقة "أبو الشباب"، فإن وافق سلمتها وإن لم فهنيئا لمن سيأخذها!!

تذكّر أنه رأى قبل ثلاثة أشهر التماعةً في عينيها، ولكنه لم يستطع تبيُنها الآن!

الرواية العمانية .. هل هي في التوقيت الصحيح؟

الرواية العمانية  .. هل هي في التوقيت الصحيح؟

#لا_يعتب_حدا_ولا_يزعل_حدا

    عندما أُعلنت الرواية مجالا للتنافس عن فرع الآداب للدورة الخامسة من جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب، التي سيكون التنافس فيها بين العمانيين، تبادر إلى ذهني السؤال: هل الرواية العمانية مستعدة للتنافس على جائزة كبيرة كهذه؟

   لا أعرف كيف يمكن أن يصنّف هذا السؤال! ولكن هل كان اختيارها في هذا التوقيت من قبيل خلق فرصة للرواية العمانية التي لم تتمكن فيما مضى من سنوات من الوصول إلى أبعد من القائمة الطويلة للبوكر التي بلغتها في مرة يتيمة برواية عبد العزيز الفارسي "تبكي الأرض يضحك زحل"؟ هل نريد أن نصنع بجائزتنا روائيَنا الذي لم تصنعه جوائز الآخرين؟ وحتى أقرّب الصورة: ماذا لو اختير مجال الرواية في دورة التنافس العربي؟ كم سيكون نصيب الروائي العماني من نسبة الفوز؟

    بعيدا عن حديث الجوائز، ولنتكلم نقديا: الرواية الكبيرة هي تلك التي لا تخذل الذاكرة أبدا، إنها الرواية التي تصمد مع سيرورة الزمن وتقلُّبِه. وإذ نقر بوجود روايات عمانية أحدثت فارقا في خط تطور الرواية العمانية، غير أن (معظمها) روايات وليدة سياقاتها الوقتية فتجاوزها الزمن، ولم تصمد إلا على سبيل مدارسة التطور الحاصل في مسار الكتابة وكتّابها.

    ولأنه لا يبدو أن الجائزة تكرر مجالاتها، فقد وددت لو أن مجال الرواية تأخر اختياره قليلا، ريثما تصبح لدينا روايات تعلق في وجدان القارئ وتشكّل علامات في مسيرة تطور هذا الجنس الأدبي في عمان، لأخالف بذلك رأي يحيى سلام المنذري الذي قال لي: "اختيار الرواية العمانية اختيار مهم، بل متأخر وكان حقه أن يكون منذ البداية".

    وإذا كنت سأتفق مع سلام، ففي منطلقه الذي يرى أنه آن للرواية العمانية أن تُقدَّم عبر جائزة مهمة فتُعرف بها، وتقدمها للعرب والعالم بعد سنوات من التقوقع وغياب التفاعل، لكن برأيي أن مستقبل الرواية العمانية أفضل مما كشف عنه ماضيها وحاضرها حتى الآن. ويبقى الأمل في القادم من الأيام والشهور بأن تتمخض الأقلام عن أعمال روائية لا تخون الذاكرة، وتصمد في وجدان المتلقي لتستحق اسم جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب.

    وأحسب أنه آن للجائزة بإدارتها الجديدة أن ترسم هويتها المميزة، وتضع لمجالاتها التي تتنوع كل عام معايير تحددها، وتجند لها اللجان المتخصصة التي تليق بها، عوضا عن اجتهادات فردية في الأوقات الضيقة.

منى بنت حبراس السليمية