السبت، 22 أكتوبر 2016

دعارة بحثية

دعارة بحثية

منى بنت حبراس السليمية

لم أجد وصفا يليق بما نقله لي صديق بأن عددا من الدارسين في مرحلتي الماجستير والدكتوراه يقصدونه ليكتب لهم أطروحاتهم، ويضيفون: أنهم قد جمعوا المادة الخام ورسموا الفصول وبوّبوا الأبواب ورصدوا المراجع، وإنما يحتاجون فقط لصاحب لغة يصيغها لهم في شكل بحث أكاديمي.

لم أجد وصفا يليق بهذا أفضل من كلمة (دعارة)، وأستميح حياء من ستخدشه هذه الكلمة، لأن هناك من يتبجح بامتلاكه الخبرة العملية والعمق الفكري في مجال بحثه، ولكنه يعجز عن صياغة أفكاره وجهده الذي سيقدمه للجنة المناقشة! وكأن العمق ممكن دون لغة تعبّر عنه!

وراح هؤلاء يعرضون على صديقي هذا الأرقام بأصفارها التي تنتصب بإغراء لقاء عمله الذي سينالون به لقبا علميا يرفعهم في السلّم الوظيفي، وهي الأرقام التي بسببها راحت تتناسل أشكال التجارة التي تتكفل للباحث بإعداد أطروحته وتنفيذ ملخصها، بل وتهيئته ليوم المناقشة بما يجعله يبدو صاحب الجهد لا سواه!

ولا حاجة مطلقا لاستعادة أعداد الشهادات الأكاديمية المزورة التي أفصحت عنها وزارة التعليم العالي غير مرة، فتلك قصة أخرى. وإنما أُذكّر بأن أعقد أنواع التزوير الذي يصعب كشفه، هو ذاك الذي يكون في الرسائل الأكاديمية. ولكم أن تتخيلوا أعداد تلك الرسائل المسروقة أو المزورة أو المشتراة في مكتبات الجامعات محليا وخارجيا، بينما يتبوأ أصحابها مراكز ومواقع ينظّرون من على منابرها ضد الفساد والمفسدين.

وإذا كان الذوق العام قد تعوّد على التحسس من لفظة (دعارة) مقرنا إياها بالجسد لا سواه، فإن دعارات أخرى أفظع وأشنع طالت أشياء أخرى في حياتنا العملية والعلمية. وفي ظني لا أسوأ من دعارة تطال العلم وتفسده، وتظهر صاحبه بأبهى صور الاجتهاد والمثابرة، بينما يخفي عيبا خلف موقعه الجديد، الذي حصل عليه بعد لقب علمي مدفوع الثمن!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق