في الذكرى الثانية والثلاثين لميلاد أخضر
منى بنت حبراس السليمية
٣٢ عاما مضت وكنت أظنها لا تمضي..
أنا التي لم أعرف متى ولدتُ إلا عندما أصبحتُ في الصف الثالث الابتدائي!!
كان سباقا كما أحسب تتباهى به الفتيات الصغيرات كلما سألتهن المعلمة عن تواريخ ميلادهن..
وكنتُ وحدي أقف عاجزة عن معرفة الإجابة..
وعندما سألتُ أمي، قالت إنها لا تحفظ تاريخ ميلادي. وفي الواقع كنت مخطئة بسؤالي لأمي؛ فأمي كانت ومازالت لا تجيد حفظ التواريخ، إذ نحن وما يحصل لنا تقويمها الوحيد الذي تعرف؛ فبنا وحدنا تؤرخ أحداث حياتها: "عندما ولد أخوك فلان كان كذا، وعندما ولدتِ أنتِ حصل كذا"، وليس مهما بعد ذلك في أي تاريخ من الشهر أو العام أو القرن ما حدث.
الآن أفكر أنه لو قال لي أحدهم يومها إنني ولدت في عام 1945 لصدقته!
فتواريخ ميلادنا شيء لا يعنينا طالما غاب عن الذاكرة، وكل ما لا يرتبط بذاكرتنا ليس مهما أن نعرفه، إنه شيء قبل الذاكرة تحديدا.
ولكني عرفت من شهادة ميلادي أني من مواليد 30 أكتوبر 1984م؛ ففرحت كمن اكتشف تاريخ الأرض، أو بدء الخليقة..
فقد أصبح لي تاريخ يؤرخني. تاريخي الذي يبدأ قبل ٣٢ عاما.
أحببت هذا اليوم/ الرقم (30- 10) كثيرا.. فلطالما أحببت مضاعفات العدد 10 التي تجد طريقها إلى الذاكرة سريعا، ولكن هناك ما ارتبط بهذا التاريخ فصبّه كخرسانة لا تتزعزع من ذاكرتي؛ فهو يوم ارتبط بوفاة أنديرا غاندي .. في اليوم نفسه، والساعة نفسها، من العام نفسه 1984م.. هذا مما عرفته لاحقا.. (أثق في ذاكرة عمتي رغما عن أنف جوجل الذي قال إنها اغتيلت في 31)
أليس عظيما أن يؤرخ ميلادك بوفاة أحدهم كحجم غاندي؟
ولم أعرف أية فكرة كنت أهجس بها بأن روح أنديرا غاندي هي من يسكنني الآن، وكنت أخاف من الوحدة؛ حتى لا تستفرد بي روحها لتكشف لي ما لم أعرفه ولا أريد أن أعرفه عن السياسة والاغتيالات.. ولكني كعادة المسلمين أسارع بالاستغفار خشية أن أتلوث بفكرة تناسخ الأرواح دون سابق رغبة أو ترصد!
نعم.. هي ٣٢
أقولها فخرا بسنيني التي مضت، وأعلن بها عهدا جديدا عليّ أن أعيشه، فلست أعاني عقدا عمرية في إعلان عمري الحقيقي، فهو الشيء الوحيد غير القابل للسرقة أو الإنقاص، ولست أجد في نفسي - في الثانية الثلاثين - رغبة في العودة إلى الخلف يوما.
وتذكروا.. أن غدا هو يوم الشجرة أيضا، يوم آخر اقترن بتاريخ ميلادي في ذاكرتي كذلك، فلعلي كنت سببا في اخضرار العالم!!
أترونني بالغت؟
حسنا حسنا لا تغضبوا.. كنت أعني اخضرار ذاكرتي تحديدا.
ولكني أتفكر الآن: ماذا أضفت إلى الحياة حتى هذه اللحظة، وماذا أضفت لنفسي خلال سنيني هذه؟
محطة أختم بها أكتوبر لهذا العام .. و٣٢ عاما مضت
محطة نذرتها للتأمل...
فمنذ الغد أنا شخص آخر
2016