ظل على الجدار
منى بنت حبراس السليمية
كانت تظن أن الجمال شيء واحد. يكفي أن تلبس هي وأختها ثيابا جديدة لتكونا جميلتين. يكفي أن تسرّح لهما عمتهما شعرهما بشرائط بيضاء تطير في الهواء لتغدوا حمامتين.
لم يدر في خلدها أن تشابههما في اللباس وتسريحة الشعر يجعلهما اثنتين لا واحدة. فضلا عن طولهما المتقارب وبنيتهما الجسمانية المتماثلة التي أذابت أحد عشر شهرا فصلت بين ولادتيهما.
تذكر جيدا يوم جلست في عرس ابنة خالتها في القرية إلى جوار أختها في حوش بيت جدها القديم، وكشّاف الإنارة الوحيد يرسم أشكال الحضور مهتزة على السور المحيط بالحوش. كانتا تلبسان ثيابهما العمانية من الكتان الأخضر، وشرائط شعرهما خضراء هذه المرة على خلاف شرائط المدرسة البيضاء على الدوام. لا شيء مختلف بينهما. كانتا جميلتين؛ فقد ارتدتا أجمل ما في خزانتهما المشتركة، ولبستا خاتميهما اللذين يحملان اللؤلؤة الزجاجية نفسها، وانتعلتا الأحذية المتشابهة التي اشتراها لهما أبوهما من مسقط. كانتا متشابهتين تماما؛ حتى جاء الصوت هامسا خلفهما:
- ثيابهما جميلة.
- وربطات شعرهما أيضا. كأنهما توأم.
- صحيح، ولكن تلك التي بقرب الجدار أجمل!
أرادت أن تلتفت إلى أختها التي انعكس ظل شريطتها على الجدار؛ لتتأكد من أنها سمعت ما سمعته، ولكن أختها بدت لها لأول مرة شخصا آخر غيرها، وقد زادهما اللباس الواحد والشرائط المتشابهة اختلافا وغربة.
غالبت كرة كبيرة من الدمع أفسدت عليها الرؤية، ولكن دبوسا مغروسا في طرف البساط التمع فجأة فأطلق لها حرية البكاء. جرحت به يدها فسال الدم، والدمع، وأشياء أخر ...