الأحد، 29 أكتوبر 2017

لهاث

لهاث

منى بنت حبراس السليمية

ارتكبت في حياتي حماقات كثيرة، كلما فكرت فيها الآن أتساءل كيف تمت؟ وكيف طقت عليها صبرا! أولاها في ربيع ٢٠٠٧ عندما كنت أدرس دبلوم التأهيل التربوي (مرغمة) في جامعة السلطان قابوس. كان الأمر أشبه بتزجية وقت في انتظار أحد الحسنيين: التوظيف، أو قبولي في برنامج الماجستير في العام الذي يليه. ولكن الحياة تلعب معي لعبة ملء الفراغ بقسوة كلما فكرت أني أقوم بشيء لتزجية الوقت!
ففي الفصل نفسه قُبلت للعمل (بالقطعة) محاضرا زائرا لمادة الاتصال في اللغة العربية بالكلية التقنية بنزوى في فترة الظهر مرتين في الأسبوع. لا أعرف كيف ضبطت بهذه الطريقة: أنطلق باكرا من البيت إلى مدرسة مارية القبطية بسمائل لإعطاء دروس التربية العملية، ثم أنطلق بعدها مباشرة إلى نزوى لإلقاء محاضرة لطلاب من عمر ومرحلة مختلفين.
أهرول بعد المحاضرة مباشرة من نزوى إلى الخوض للحاق بمحاضرة القياس التربوي في الجامعة.
متى كنت آكل؟ في المسافة بين مسقط ونزوى في السيارة؛ فلا مجال للوقوف للغداء.
كل هذا ليس غريبا بعد على مجنونة مثلي، الغريب أن كل هذا يحدث وأنا لم أحصل على رخصة السياقة بعد؟
كيف وافق أخوتي وأبي (يرحمه الله) على مجاراة هذا الجنون وقطع المسافات المكوكية على ذلك النحو غير القابل للتكرار!

ولكن الغريبة الثانية أن الأمر تكرر فعلا:
في خريف ٢٠١٢ تحديدا، وافقت أن أكون استشاريا زائرا (هكذا يسمون المحاضر بالقطعة في البطاقة المؤقتة التي تمنح من الجامعة لأمثالنا) في الفترة المسائية أيضا في جامعة السلطان قابوس، في الوقت الذي وافقت فيه الوزارة على انخراطي في دورة لغة إنجليزية مكثفة في الكلية الحديثة. حدث الأمر كالتالي:

أخرج من العمل في روي (قبل أن تنتقل الوزارة إلى مبناها الجديد في مرتفعات المطار) هرولة إلى الخوض للحاق بمحاضرة الساعة الثانية ظهرا، ثم أخرج من هناك في الثالثة وخمس وثلاثين لألتحق بدروس اللغة في بوشر في الرابعة عصرا وحتى الثامنة مساء قبل أن أقفل عائدة إلى سمائل!

ما الذي كنت أريده من كل ذلك؟ ما عدت أدري. كنت مدفوعة برغبة في فعل كل شيء، والقبض على كل الفرص المؤقتة منها قبل الدائمة.

الآن، صرت أُرجع حالات الكسل الطويل التي تمر بي وغياب الرغبة في فعل شيء إلى تلك الفترة الصاخبة من حياتي. يحتاج المرء إلى عدم فعل شيء. للجلوس في مكان واحد، للصمت، للاشيء!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق