السبت، 10 مايو 2014

مدارسنا.. هندسة لطبيعة ناعمة

مدارسنا .. هندسة لطبيعة ناعمة

لـ منى بنت حبراس السليمية

 

      عندما أثير السؤال عن الأسباب التي أدت إلى أن تكون إجازة الصيف لطلبة المدارس أطول مما يجب، وعندما ارتفع معه صخب تذمر المعلمين من دسامة المناهج الدراسية التي تتأبى على لملمة دروسها حتى الرمق الأخير من العام الدراسي وبالكاد تنتهي، وعندما استاء أولياء الأمور – وما يزالون – من الفراغ الذي يتمرغ فيه أبناؤهم مما مجموعه أربعة أشهر ونصف هي مجموع أيام الإجازة الصيفية وإجازة منتصف العام، زد عليها إجازات الأعياد والإجازات الرسمية، وأيام أخرى قبلها وأيام بعدها بموجب قرار يتخذه الطالب بنفسه بتواطؤ مع المعلم والبيت .. أقول عندما انتفشت كل هذه التساؤلات وغيرها، لم يدر بخلد أحد أن التصميم الهندسي لمدارسنا - الذي لا يصلح إلا لأجواء ربيعية نسمع عنها ولا نعيشها أو نعرفها - هو السبب الرئيس لأكثر من ثلث عام دراسي يضيع هدرا!

     فقد جرت عادة هندسة بناء المدارس في السلطنة أن تتخذ فصولها شكل (U) بدور واحد أو دورين، وتقع إدارة المدرسة في الموضع الذي يسد فتحة الحرف الإنجليزي، ومنه تكون بوابة الدخول إلى المدرسة، كما تكون مداخل الفصول كلها في مقابل الانحناءة التي يرسمها الحرف إياه غير المسقوف في مواجهة الهواء الطلق، ليبقى الفصل رغم جدرانه الأربعة مشرعا أمام الطبيعة القاسية لبلد تموضع غير بعيد عن خط الاستواء، زد عليه ما يستوجب على الطالب من وقوف حتمي في طابور صباح لا يقي رأسه من حرارة الشمس سوى خرقة خضراء، أو – في أحسن الأحوال – سقف من الألمنيوم قد تجود عليه بعض المدارس بمراوح تدور في بعض زواياه.

     وفي الفسحة يصبح التعرض للشمس خيارا أوحد تتعذر معه البدائل الأخرى، حيث لا خيار آخر سواه. ولست أدري لماذا تلح علي الآن مقاطع من خاطرة مطلعها: "نحن أبناء الشمس" لطالما ألقيتها في طابور الصباح عندما كنت في الإعدادية!! أتراني كنت أعزي الصامدات أمثالي تحت شمس الظهيرة عندما كنا ندرس في الفترة المسائية وطابورنا فيها يضرب نوبته عند الواحدة ظهرا!!

     والمقصف منعزل في فناء المدرسة عن البناء الصفي ذي الحرف الإنجليزي، ويتطلب حتى يتناول الطالب وجبته المدرسية أن يقف طابورا يمتد أمتارا من الأجساد الصغيرة تحت الشمس حتى يصل لمن يناوله خبزة وجبنة وعصيرا معلبا، ليتنعم بالكاد ببعض نفحات باردة تعبر إليه من نافذة الشراء بغرفة المقصف.

    ولا أظنني بحاجة إلى مزيد حديث عن حصص الرياضة.. !!!

    نقول كل ذلك على افتراض أن أجهزة التكييف داخل الفصول الدراسية قائمة بدورها بفعالية مثالية، وهو قلما يحصل، إذ كثيرا ما تكون مكيفات الفصول الدراسية أشبه بجعجعة دون طحين. ومازلت أستغرب من معلمة عندما كنا ما نزال طالبات صغارا تردد – بعد تشكّينا من الحر وعدم جدوى مكيفات الفصل – تقول: نار جهنم أشد حرا!!

    فهل مطلوب من فتيات صغار أوجدهن القدر وإجبارية التعليم في ظرف كهذا أن يتمرنَّ لحر جهنم؟!

    من يستطيع بعد هذا، والحرارة تقفز في مطلع شهر مايو إلى حدود الـ 44 درجة سيليزية، أن يطالب بتمديد العام الدراسي؟

    ليست هذه السطور من أجل الحديث عن قسوة الصيف وصعوبته في هذه الجغرافيا، ولكنها من أجل محاولة إعادة النظر في هندسة مدارسنا التي تصلح لبيئة لا تظلها إلا غيوم ربيعية على مدار العام، التي متى ما أطل الطالب من باب فصولها واجهته المروج الخضراء، ومتى ما وقف في طابور المقصف آنسته نسائم الحقول الغناء، ومتى ما وقف في طابور الصباح داعبته روائح الزهور في البساتين المجاورة، دون أن يعدم رشات من رذاذ لا يفتر، وشمس حانية لا تلهب رأسه فتقعِد عزمه عن التفكير بمستقبل لا يقوم إلا بالدراسة.

    ألسنا بحاجة إلى مدارس بمبانٍ مغلقة، تعزل الطالب عن قسوة الطبيعة داخل صفه وخارجه .. في مقصفه وملعبه .. كحال كثير من المؤسسات التي تحفظ منتسبيها من التعرض للصيف وقسوته؟ حينها فقط تكون المطالبة بتقليص الإجازات الطويلة - لا سيما في الصيف - مشروعة، متى ما أمن الطالب من إغماءة قد تصيبه جراء ضربة شمس على غفلة، ومن رعاف يشخب من أنفه ورأسه بسبب ارتفاع حرارة مايو المفاجئة.

    أقول ذلك على أمل أن تصبح جميع مشاريع مدارسنا الجديدة في أجندة وزارة التربية والتعليم المقبلة مختلفة، وأن تؤهل مدارسنا الحالية لتتناسب مع التغيرات المناخية، ومع حرارة شمسنا الأزلية، فقد أصبحت على يقين بأن البيئة التعليمية هي أولا، وهي ثانيا، وهي ثالثا، ليتسنى لنا أن نقول بعدها .. الطالب أولا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق