الخميس، 19 مارس 2015

ج2: أسئلة الهوية وصور الاغتراب في رواية "ساق البامبو"

 ج2: أسئلة الهوية وصور الاغتراب في رواية "ساق البامبو"

منى بنت حبراس السليمية

الاغتراب الاجتماعي وجه آخر للنقد الاجتماعي:

    توجه رواية ساق البامبو نقدا اجتماعيا لاذعا للمجتمع الكويتي في قالب روائي شائق دون أن ينحدر بها إلى التقريرية أو الإقحام المسيء للبناء الروائي المحكم:

   هوزيه، الكويتي رسميا، ليس شيئا (على المستوى الاجتماعي)، ففي الكويت "لا يعتد الناس بكلمة كويتي، وإن كان الإنسان كويتيا، فهذا لا يعني شيئا.الكويتيون أنواع. درجات من البشر، طبقات متفاوتة تميز بعضهم عن الآخر"(ص276) ولا يتساوون إلا في الأزمات حسب الرواية التي كان يكتبها "راشد الطاروف" قبل وفاته ولما تكتمل. طبقات فوق بعضها. "كل طبقة اجتماعية تبحث عن طبقة أدنى تمتطيها، وإن اضطرت لخلقها، تعلو فوق أكتافها، وتحتقرها وتتخفف بواسطتها من الضغط الذي تسببه الطبقة الأعلى فوق أكتافها هي الأخرى"(ص279). بين تلك الطبقات كان "عيسى" يبحث عن نفسه، وعندما نظر أسفل قدميه في بلاد أبيه ليبحث عمن هو دونه لم يجد من هو أدنى منه غير سلحفاته!

    وعندما تقدم ساق البامبو نقدها الاجتماعي فإنها تقدمه على أكثر من صعيد، بدءا من سلوكيات الناس وتحديقهم في كل شيء رغم انتقادهم لهذا السلوك كما تقول خولة "نحن أكثر من ينتقد هذا السلوك وأكثر من يمارسه"(ص334)، مرورا بمواجهة الآخر بالشك وعدم الثقة. صفات قرأها غسان في عيسى: "أرى أنك أصبحت كويتيا أسرع مما كنت أتصور"(ص337). "الشك.. عدم الثقة بالآخر.. في الكويت .. الثقة التي كانت.. ما عادت"(ص337)، وصولا إلى قضية الكويت الأهم (البدون)، وانتهاء بأزمة الهوية التي لا ينفرد بها البدون دون سواهم.

    وفي الكويت الصغيرة التي تولي اللسان سلطة لا تعلوها سلطة، الأخطاء ليست سواء، بل إنها تقاس بمقياس الطبقة التي تصدر منها، "يموت عشرات الشبان في الكويت بجرعة مخدرات أمر لا يستدعي الاهتمام، ولكنه أمرر عظيم ومشين إن حدث ذلك لشاب ذي نسب رفيع، يستريح هو بموته، ليوّرث عائلته العار من بعده. عندما يفلس تاجر ما تنتهي كل مشاكله بإشهار إفلاسه، أما أن يفلس ابن العائلة العريقة فالأمر لا ينتهي أبدا حيث تستحيل ألسن الناس سياطا تجلده طيلة حياته لتنال من ذريته. أن ينجح رجل ما في عملهويكوّن ثروة فهو رجل عصامي، أما أن ينجح فيصل العادل، زوج (...) نوريه، فهو"حرامي"(ص349)

      وإن كان السنعوسي – كما يبدو – قاسيا في معالجته النقدية للواقع الاجتماعي الكويتي، إلا أن قسوته حسب القراءة الفنية للبناء الروائي تعد جرأة تحسب لعمله، مما أكسبه بعدا أعمق غورا عن كل المعالجات السطحية التي تجبن عن الكشف الكامل، وإن هي فعلت وقعت في التقريرية. وقد بدا أخيرا أن المعالجات الجريئة لا تسيء إلى الواقع بقدر ما تجعل قضية الإصلاح والتغيير مشروعا ملحا لا مناص عن تبنيه، فقد أثبتت "ساق البامبو" أن تناول مجتمع ما بالنقد الاجتماعي – وغير الاجتماعي – لا يسيء إليه بقدر ما يجعل علاجه إحدى الضرورات التي يصبح التغاضي عنها هو الإساءة الحقيقية.

 
4. الاغتراب الديني:

     رغم أن "راشد" والد "عيسى" قرأ الأذان في أذن عيسى فور ولادته، إلا أنه لم ينشأ مسلما كما يجب، كما لم ينشأ مسيحيا كاملا كما أرادت له عمته، ولم يكن بوذيا خالصا رغم عشقه لتعاليم بوذا، بل كان مزيجا من المسيحية والبوذية والإسلام، وفي غمرة التيه يغرق في أسئلته الوجودية: "لو أنهما اتفقا على شيء واحد.. شيء واحد فقط.. بدلا من أن يتركاني وحيدا أتخبط في طريق طويلة بحثا عن هوية واضحة الملامح.. اسم واحد التفت لمن ينادي به.. وطن واحد أولد به، أحفظ نشيده، وأرسم على أشجاره وشوارعه ذكرياتي قبل أن أرقد مطمئنا في ترابه. دين واحد أؤمن به بدلا من تنصيب نفسي نبيا لدين لا يخص أحدا سواي" (ص63)

    ولكنه لم يكن ناقما تماما على تشرده الديني، فالأمر لا يخلو من ميزة أتاحت له تلمس طريقه إلى الله كما لم يتح إلا للباحث عن جوهر الحق: "إنه قدري، أن أقضي عمري باحثا عن اسم ودين ووطن. رغم ذلك، لن أنكر لوالديّ فضلهما في مساعدتي، من دون نية منهما، في تعرفي على خالقي.. بطريقتي"(ص66)

    ولما كان الإنسان مفطورا على الإيمان بدين، إذ إن الفطرة – حسب الجرجاني في كتابه التعريفات – "هي الجبلة المتهيئة لقبول الدين"[8]، وجدنا هوزيه ساعيا للبحث عن دين يركن إليه باطمئنان، مجربا في سبيل ذلك الاقتراب من ثلاث ديانات: المسيحية، والبوذية، والإسلام، ليضعنا السنعوسي بذلك أمام بعدين:

 
أولهما: أنه كان ممكنا لـ"هوزيه" أن ينشأ غير عابئ بالبحث عن دين – أي دين – في ظل ما يموج به عالم اليوم من دعوات تبعد الدين عن معترك الحياة، وتعزله عن التأثير في مساراتها تحت شعارات وتوجهات وأيديولجيات تجعل من العلم دينا تارة، ومن العقل دينا تارة أخرى، والطبيعة دينا تارة ثالثة، وليس آخرها الدعوة إلى (اللادين) بالركون إلى قدرة الصدفة أو الإنسان ذاته على الفعل. ولكنه صوّر لنا "هوزيه" شخصية مازالت على فطرتها الأولى التي لم تدنس بشوائب تشوّش عليها أساس وجودها الأول، وهو البحث عن الحق وحتمية الإيمان بإله، لاسيما أن الرواية – في موازاة ذلك – تقدم شخصيات لا تعطي بالا للدين – كشخصية مشعل (مجنون من مجانين بوراكاي) – الذي بقي لا يعبأ بالصلاة فضلا عن مداومته لشرب الخمر.

أما ثانيهما: فإن الرواية تقدم توافقا بين الأديان السماوية (المسيحية والإسلام) من جهة، وبينها وبين الأديان الوضعية (البوذية) من جهة أخرى – دون أن نغفل حضور دين وضعي آخر هو (الريزليستا)، نسبة إلى خوسيه ريزال، الذي اعتنقته "ميرلا" في نهاية رحلة الضياع – لتقدم "ساق البامبو" رسالة في التسامح والبحث عن أرض مشتركة يقف عليها عالم اليوم الذي تطحنه الخلافات التي ليست الدينية إلا أحد وجوهها.

    وقد عالج السنعوسي الاغتراب الديني من خلال مستويات ثلاثة عبر "هوزيه" خلال رحلته في البحث عن الله في الأديان الثلاثة، وقد جاءت تلك المستويات كالآتي:

1.4الوقوف من الأديان على مسافة متساوية:

   يقف "هوزيه" على مسافة متساوية من المسيحية والبوذية ولاحقا الإسلام، كأنما هو مركز دائرة تتموضع الأديان الثلاثة على محيطها وعلى مسافات متساوية فيما بينها، فقد اختارت له خالته آيدا أن يكون مسيحيا بعدما أهملت والدته تربيته دينيا معللا ذلك بأنها "على يقين بأن الإسلام ينتظرني مستقبلا في بلاد أبي"(ص63)، ولكنه لم يكن متأكد من كونه مسيحيا: "هل يجعل مني التعميد مسيحيا، وهل قبلت المسيحية دينا في طقس حضرته في حين كانت ذاكرتي لا تتسع لشيء بعد؟"(ص65)، ولكنه مع ذلك أحب المسيح حتى أصبح يراه في أحلامه مبتسما، يربت على رأسه بكف لا تزال بها أثر المسمار الكبير الذي اخترقها يوم تثبيته في الصليب. ليسأل: "فهل أكون مسيحيا؟"(ص65)

    ومن جهة أخرى يشعر أنه بوذي بفطرته المتماهية مع الطبيعة: "ماذا عن خلواتي التي أجد بها ذاتي ورغبتي الدائمة في التوحد مع الطبيعة من حولي، والتصاقي بالأشجار في أرض جدي ميندوزا حتى أوشك أن أفقد حواسي التي هي مصدر المعاناة كما يقول بوذا في تعاليمه، تلك التعاليم التي أدمنت قراءتها حتى خلتني أناندا، أحب تلاميذ بوذا وأقربهم إليه. أتراني بوذيا من دون أن أعلم"(ص65)

    ولكنه مع هذا وذاك يؤمن بالله الواحد يقول: "وماذا عن إيماني بوجود إله واحد لا يشاركه أحد.. صمد.. لم يلد ولم يولد؟ أمسلم أنا من دون اختيار؟ ماذا أكون؟"(ص66)

   أما الممارسة التعبدية، فإن صلاته في الكنيسة والكاتدرائية لم تمنعه من دخول معبد غوان – سينغ في مانيلا تشاينا تاون وقراءة تعاليم بوذا حتى جمع حبه وحب المسيح معا، بل إنه قبيل رحيله إلى الكويت دخل الكاتدرائية وصلى للمسيح، وغادرها إلى مانيلا تشاينا تاون ودخل المعبد وصلى لبوذا والصليب في عنقه، ذلك الصليب الذي بقي في مكانه من عنقه حتى بعد دخوله المسجد في حي قرطبة الكويتي.

   غير أنه في الفلبين، ورغم وجود المسلمين في جنوبها، لم يدخل مسجدا، بسبب الصورة المبهمة التي يحملها للإسلام في داخله: "الإسلام، بالنسبة لي، كأي دين، يرتبط برمز أو رموز عدة، كأي حضارة أي حكاية، أو فكرة. إن صلح الرمز كان خير ممثل لرسالته، وإن فسد أفسدها في عيون الآخرين"(ص208)

    كان يرى الإسلام، عندما كان صغيرا، بشيء من الدهشة يخالطها احترام إذا ما توقف عند هيبة لابو – لابو سلطان ماكتان الشهير الذي يعتبره الفلبينيون أحد أهم الأبطال القوميين. أول من قاوم الاستعمار في القرن السادس عشر(ص208). يقول: "كان لابو – لابو هو الرمز المسلم الوحيد الذي كنت أعرفه في ما مضى، بطل أسطوري كنت أراه هو ورجاله، وكنت أعتبر والدي المسلم، ينحدر من سلالته. صورة جميلة كنت أحملها للإسلام بسببه في مخيلتي، ولكن هذه الصورة لم تقاوم كثيرا أمام رمز مسلم آخر نسف كل ما كنت أحمله في داخلي.. أبو سياف أو جماعة أبو سياف.."(ص209)

    ويشكل عليه العثور على السؤال ذاته: أي إسلام يعتنق، أهو إسلام لابو – لابو أم إسلام جماعة أبو سياف الإرهابية؟ وفي الكويت أحب شخصية النبي محمد والصحابة وحمزة عم الرسول بسبب فيلم الرسالة الذي أهداه إياه إبراهيم سلام – الفلبيني المقيم في الكويت/ المترجم – ولكنه يعلم أن جماعات إرهابية قتلت مخرج الفيلم "مصطفى العقاد" بتفجير في العاصمة الأردنية عمّان، ليعود السؤال: "أيهما الإسلام؟ أهو إسلام لابو – لابو سلطان جزيرة ماكتان؟ أم إسلام جماعة أبو سياف في مندناو؟ الحيرة .. الخوف والشك يملأونني، ترى، هل استوطن الشيطان عقلي في الوقت الذي كنت أهيئ فيه قلبي بيتا لله؟"(ص273)

    ولكنه يمارس الإسلام كما لا يفعل أحد سواه، ويصلي صلاة لا يشبهه فيها أحد: "أنا أصلي بجسدي كما يفعلون. ولكنني أتلو الصلاة كما لا يفعل أحد سواي. ربما الكلمة الوحيدة التي نتفق على ترديدها جميعا بصوت مسموع هي.. آمين"(ص356)

    ورغم صلاته التي يصليها بجسده، ما استطاع عيسى أن ينتظم في أدائها خمسا في اليوم، وبقي يتلوها كيفما يعن له من حاجات الدنيا – إذ لم يشتغل عيسى بهم الآخرة – في ظل عدم وجود من يهتم بتلقينه ماذا يتلو فضلا عن عدم معرفته باللغة العربية، وغادر الكويت على ذلك وقد جمع إلى مسيحيته وبوذيته إسلاما يرى الله في القلب لا في أي شيء آخر:"في أذني اليمنى صوت الأذان يرتفع. في أذني اليسرى قرع أجراس الكنيسة. في أنفي رائحة بخور المعابد البوذية تستقر. انصرفت عن الأصوات والرائحة، والتفت إلى نبضات قلبي المطمئنة، فعرفت أن الله .. هنا"(ص300)

 
2.4البحث عن السمات المشتركة بين الأديان:

    إن من قرر أن يقف على مسافة متساوية من ثلاثة أديان مختارا، سيبحث عما يحفظ له توازنه للإبقاء على تلك المسافة ما دامت مسافة اختيارية أفرزتها معايناته للأديان الثلاثة جوهرا وممارسة، فقد بدا أن بحثه عن السمات المشتركة التي تجمع بينها هي الحافظ لتوازنه الداخلي، في طرح يُظهر ما في الأديان الأخرى من تشابهات إيجابية لطالما ظنها معتنقو كل دين أنها لا توجد إلا في الدين الذي يعتنقون، ومن تلك السمات، العمق الشعوري المُطمَئِن، وكأنما هو مفرز حتمي لكل توجه إيماني بشيء ما، فالإحساس بالطمأنينة لم يخطئ قلب هوزيه في كل مرة دخل فيها كنيسة أو معبدا أو مسجدا رغم الاختلاف ما بين البساطة والبهرجة في كل واحد منها، ففي الكنيسة تساءل ما إذا كان الإيمان هو الذي أنزل به ذلك الشعور بالرهبة تجاه المكان؟ أم أن للشموع والتماثيل والأيقونات دورها في ذلك؟(ص104). والمعبد "لم يكن يشبه الكنيسة في شيء، ولكن الشعور.. هو ذاته"(ص137)، وفي المسجد شعر أنه أخف من أي وقت مضى. كاد يطير. "أهذا هو المسجد؟"(ص269)

    فهل تمنح الطمأنينة نفسها لكل باحث عنها حقا؟ وفي كل المواقف مهما تناقضت وتنافرت؟ فإذا كان هوزيه باحثا عن الله في الكنيسة والمعبد والمسجد، فهل كان الله موجودا في تلك الأماكن كلها ليشعر بالطمأنينة ذاتها في كل مرة؟

    إن رواية ساق البامبو استطاعت أن تقدم هوزيه باحثا متحررا من كل الاعتقادات المسبقة، شخصية فارغة الروح من الانتماء الديني، وبذلك فقط أمكنه أن يكون باحثا حقيقيا، لا يستنكف من الاقتراب المشعر بالطمأنينة وحقيقة الوجود، ويقارن بين الأديان لتجتمع لديه تلك الحقيقة، ويتوقف عند التشابه بينها دون أن يجد حرجا في اعتناق البوذية  بعد اعتناق المسيحية قبلها بل والجمع بينهما: "هل أخون أحدهما إذا ما اتبعت تعاليم الآخر؟ كلاهما يدعو للمحبة والسلام.. والتسامح والخير والمعاملة الحسنة."(ص136)

     وعندما يقترب من الإسلام يثيره التشابه بين القرآن والكتاب المقدس: "أهو دين جديد كما كنت أحسب. أم تتمة لأديان سبقته؟"(ص296) وفهم من إبراهيم سلام أن الإسلام لا ينكر الأديان التي سبقته، والقرآن يذكرها ويذكر الأنبياء السابقين للنبي محمد – صلى الله عليه وسلم – ولكنه ما لم يكن قادرا على فعله أن يتخلى عن حب المسيح بمجرد اعتناقه الإسلام، ولكن إبراهيم يطمئنه بأن المسلمين أيضا يحبونه، إذ هو من أنبياء الله والإيمان بالرسل ضرورة من ضرورات الإيمان الصحيح، غير أنهم لا يصلون للمسيح، ولا للنبي محمد، بل إن صلاتهم لله وحده.

     ويبقى أن ثمة ما كشفه السنعوسي في روايته من خلال شخصية عيسى، وهو تهيّب المسلمين من الاقتراب من الأديان الأخرى وإن على سبيل المعرفة أو الفضول، ومتى ما عثروا على تشابه بين ما يعتقدون أو يفكرون وبين دين آخر سارعوا إلى دحض التشابه كمن يرد تهمة، وهو ما لم يجد له "عيسى" تفسيرا. حدث ذلك عندما كان يحدث "عبدالله" – أحد أصدقائه من مجانين بوراكاي – يقول: "حين شاركت عبدالله، في الديوانية، أفكاري هذه أجاب ترجمة لآية قرآنية تخبرنا أن الروح سر لا يعلمه إلا الله، لأننا نحن البشر، لا نملك إلا القليل من العلم، سألني بعد فراغه من ترجمة الآية: "وما أدراك إننا لم نقم بالاختيار فعلا قبل أن تُمسح ذاكرتنا لنبدأ حياة أخرى في أجساد جديدة؟" سألته على الفور: "هل تؤمن بالبوذية؟"، انتفض مدافعا عن نفسه: "أنا مسلم". قلت له موضحا: "ولكنك تتحدث عن شيء يشبه تناسخ الأرواح!"، ختم حديثه بالآية ذاتها وكأنه يقوم بالتكفير عن ذنب اقترفه في التفكير"(ص368)

    وهكذا الشأن لخولة التي حاول عيسى أن يقنعها بأن المسيح، وبوذا، والنبي محمد، كلهم جاءوا بالمساواة بين الناس، محاولا أن يفهم سبب معاملتهم له بدونية واحتقار، وكانت في كل مرة تقول له لسنا مسيحيين ولسنا بوذيين، رغم المنطلق الواحد الذي دعت إليه الأديان الثلاثة فيما يتعلق بالمساواة بين البشر، ولكن الأمر في النهاية – كما تقول خولة – "ليس للدين علاقة بهذا الأمر"(ص276)

     فالمسلمون، رغم إيمانهم برسالة المسيح عيسى ابن مريم، غير أنهم يستنكرون كل ما يرد من المسيحية، ويلغون أية فكرة قد تقترب بهم من الفكر المسيحي، وكذلك الشأن لأية فكرة أو خاطر يقترب من الفكر البوذي، حتى وإن كانت قد صدرت منهم عفو الخاطر نتيجة تفكير عابر.

     وقد كان اختيار الشخصية غير المنتمية لدين والباحثة عن الله في كل شيء حولها وفي كل الأديان، هي وحدها الشخصية القادرة على الاقتراب من كل شيء بالدرجة نفسها، والمهيئة في الوقت نفسه للإيمان بالأقرب إلى فهمها وقناعتها، لأن الحياة تمنحها فرصة تجربة الأشياء كلها بالمجان، إذ لا شيء يمكن خسارته في رحلة البحث عن الحقيقة، غير أنه – كما يقول هوزيه – "يبقى لكل شخص دينه الخاص، نأخذ من الأديان ما نؤمن به، ونتجاهل ما لا تدركه عقولنا، أو، نتظاهر بالإيمان، ونمارس طقوسا لا نفهمها، خوفا من خسارة شيء نحاول أن نؤمن به"(ص65) فالأديان حسب الخلاصة التي توصل إليها في الختام "أعظم من معتنقيها"(ص299)

3.4النقد الديني:

    تقدم ساق البامبو – على غرار النقد الاجتماعي – نقدا للممارسات الدينية التي تصدر من معتنقي الأديان الثلاثة، وهو نقد يأتي في سياق الكشف الباحث عن الجوهر، في محاولة إزاحة القشور التي غالبا ما يغلف بها البشر فهمهم القاصر للأديان، فـ "عيسى" يلحظ سلوكيات المسلمين في رمضان فتثير استغرابه: "في الداخل لا أحد يتحدث. أختي وعمتي وجدتي يجلسن أمام التلفاز بالساعات لا يتزحزحن من أمامه إلا للصلاة. لم ألاحظ اهتمامهن بالتلفاز سوى في شهر رمضان. الصلاة أيضا، تكثر في هذا الشهر."(ص261)

    وفي الشوارع يزداد الناس تجهما، فـ"في نهار رمضان الوجوه تختلف. الناس تقود سياراتها متوترة. أبواق السيارات تشرع بالزعيق لأتفه الأسباب. الأذرع تمتد خارج نوافذ السيارات تلوح بغضب. الوجوه مكفهرة"(ص261 – 262)، ويسأل غسان ما إذا كانت الابتسامة في نهار رمضان تبطل الصوم!

    ملاحظات كهذه لا تعجز المسلم عن ملاحظتها، ولكنها أصبحت من مألوفاته التي ما عادت تثير في نفسه تساؤلا، ولكن الباحث عن الدين سيضع ملاحظات كهذه موضع السؤال، لعلها تكون – حسب رؤيته لجدة الأشياء – شيئا من الطقوس التعبدية الواجب فهمها!!

   وفي مرحلة تالية من مراحل نضجه تجاه الدين، والله، عرف أي إقحام لله يمارسه الناس فيما يحلو لهم، ويقصونه مما لا يحبون، كما أنهم يبحثون عن يقين خارج اليقين الذي بين أيديهم، في حديثهم عن معجزات في غير زمانها. "غيوم تشكل اسم الله في السماء.. ثمرة بطيخ ترسم بذورها اسم محمد النبي.. سمكة إذا شاهدتها بوضع مقلوب تقرأ اسم الله في الخطوط الممتدة من ذيلها إلى رأسها"(ص297)

    وهي أوهام لم تقتصر على المسلمين وحدهم، ففي الفلبين، كان "هوزيه" يسمع "عن رؤية البعض لتمثال السيدة العذراء والدموع تسيل من عينيها.. أو ظهورها في مكان سرعان ما يستحيل مزارا."(ص297) وكذا الشأن بالنسبة لحادثة تسونامي في العام 2004م التي ضربت دولا عدة في شرق آسيا وسوت البيوت بالأرض، ولم يبق إلا المسجد صامدا، في محاولة من إبراهيم ليوجد لليقين طريقا إلى قلب "عيسى" بأن هذا الدين حق، وجدنا "عيسى" يرد عليه: "كلانا يعرف أن المساكن حول المسجد مبنية من الأخشاب والصفيح، أما هذا المسجد فأساساته تضرب في عمق الأرض، وهو مشيد من الإسمنت وتستند إلى أعمدة خراسانية"(ص298) فـ "هل يرسل الله الأمواج تدك بيوت المؤمنين حول المسجد ليصدق من لم يؤمن بالله بأن هذا الدين حق؟!"(ص298)

    فالإيمان الباحث عن دليل مادي لا يستمر، كما أن الإيمان الذي يتخذ من العقل مكانا لا يدوم، "لا مكان للإيمان غير القلب"(ص298).  وكل ما عدا ذلك ليس سوى أوهام ومعجرات لا وجود لها، يخلقها كل مؤمن مفترض، "يؤمن بها، ولا يكشف إيمانه عن شيء سوى مقدار الشك في نفسه"(ص300)، ويختم "عيسى" بقوله لإبراهيم: "أحضر القرآن وترجم لي شيئا من نصوصه بدلا من استعراض براهين واهية تُضعف دعوتك"(ص298)

    أهي دعوة لتجديد الخطاب الديني؟ ونقد صريح للدعاة إلى الله؟ يقول "عيسى": "لا يمكن تعريف الله بهذا الأسلوب، لأن الله أكبر.. الله أعظم، كما بدأت أتلمس، وأعمق من ذلك بكثير."(ص298)

    ساق البامبو – في نقدها الديني – تطرح تساؤلات حول الممارسة الدينية، ومداخل اليقين، وجوهر الإيمان، وهي وإن كانت تقدم حلولا وبدائل لما بدا أنه في غير سياقه السليم تصريحا أو تلميحا، غير أنها تعرض إشكالية أخرى، وهي المتدين المتهم! إذ لا شكوك تحوم حول القساوسة ولا الرهبان في المسيحية والبوذية، ولكن الشكوك تحاصر الدعاة إلى الدين الإسلامي ومن يبدو عليهم تدين ظاهر، فإبراهيم سلام – الفلبيني المقيم في الكويت – ليس في نظر "هند" سوى أحد المتخلفين، وصداقتهم ورطة وشيكة لا يُعلم مصدرها، ولكنها ضمنيا إحدى إفرازات النظرة إلى الإسلام والدعاة إليه بعد الأحداث التي عصفت بالعالم في مطلع القرن الحادي والعشرين. فهل على شخصية كـ "هوزيه" أن يقف طويلا عند إشكالية كهذه وهو القادم توا إلى بلد لم يخبرها، وديانة لم يعتنقها بعد كما يجب؟ ففي التلميح بلاغة تكفي القارئ لأن يكتشف رواية تقول أكثر مما ترويه.

5. الاغتراب السياسي:

     عند حديثنا عن الاغتراب السياسي في رواية ساق البامبو، فإن الحديث يسوقنا للوقوف عند إحدى الشخصيات المثقفة في الرواية، وهي "راشد الطاروف" الروائي والناشط السياسي الذي يعيش اغترابا سياسيا، بسبب آرائه التي لم تجد أحدا يتبناها أو يستمع إليها سوى خادمة المنزل "جوزافين"، وذلك "لأن محيطه.. يرفض  أفكاره"(ص33)، فهو يعيش غربته الخاصة في بلده: "عرفت، مما ترجمته لي خولة، أن أبي كان يعيش غربة من نوع ما في وطنه هو الآخر"(ص386) ورغم قلة ما وصل للقارئ عن "راشد" باستثناء شذرات قليلة محكية بلسان "جوزافين" وبعضا مما تترجمه "خولة" عن روايته التي لم يتمها، غير أننا نعرف أنه من الداعين إلى مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وقد اغتبط بمعرفته أن الفلبين احتفلت بأول امرأة تصل إلى سدة الحكم، في اليوم نفسه الذي صادف احتفالات الكويت بالعيد الوطني، ليسأل جوزافين تعليقا على الحدث الفريد في بلادها: "من فينا سيد الآخر؟"(ص32).

    فالسيادة، لدى راشد، لا تتحقق إلا بنيل المرأة حق المشاركة السياسية في البلاد، وإلى أن يتم ذلك تبقى السيادة منقوصة، ولكن حلمه هذا يتحقق بترشح "هند الطاروف" للمنافسة على الانتخابات البرلمانية بعد استشهاده، تقول "خولة": "لو أن أبانا كان هنا يا عيسى.. بين الحضور". استطردت: "لطالما نادى بإشراك المرأة في بناء المجتمع.. ليته يرى شقيقته اليوم"(ص376) ولكنه حلم لم يتحقق منه إلا بالقدر الذي بلغته "هند" في تلك الانتخابات. خسرت هند. كما أن هناك في المجتمع الكويتي من يعارض مشاركة المرأة في البرلمان، ويرون – كما يرى "عبدالله" أحد مجانين بوراكاي – "أن المرأة يمكنها أن تخدم المجتمع من مواقع أخرى غير البرلمان"(ص375)

    فالاغتراب السياسي الذي يمثله "راشد" بأفكاره التي لم تلاق قبولا من محيطه، هو اغتراب المرأة بالدرجة الأولى، إذ إن السياسة ما تزال عالما لا يمكنها الاقتراب منه في المجتمع الكويتي إلا بالقدر الذي يحدده رجالات المجتمع.

     ولكن اغترابا سياسيا آخر تعيشه، وتعاني تبعاته شخصية "غسان"، بسبب وضعها الملتبس ما بين أن يكون كويتيا ولا يكون، كويتي القلب وليس كويتيا حسب القانون! فرغم أن "البدون" حالة اجتماعية، غير أن حلحلتها لا يملكها إلا قرار سياسي لم يأتِ، ولم يجد طريقه إلى التحقق عبر "هند الطاروف" التي اتخذت من قضية "البدون" قضيتها التي بعنوانها الإنساني العريض دخلت المنافسة على مقاعد البرلمان.

     ورغم أن هذه القضية كان جديرا طرحها ضمن المحور الاجتماعي، غير أن ما يعنينا هنا هو المعالجة السياسية لها. تلك المعالجة التي قادتها "هند"؛ فهي، بعد كل شيء، تعطي تصورا للموقف السياسي من القضية، الموقف المتعاطف (بشروط). الموقف الذي جسدته "هند" المتعاطفة مع "البدون" بسبب من المصلحة الذاتية، فهي التي "ما كانت تدافع عن شيء سوى حب لم يكتب له البقاء طويلا مع أحد أولئك الذين كرست حياتها للدفاع عن قضيتهم التي أصبحت قضيتها"(ص290)، ولكن إخفاقها في الانتخابات ليس سوى إخفاق السياسة في الخروج من أزمتهم، لأنها سياسة انتقائية، أبعد ما تكون عن المنطق، فالبدون لا يستحقون جميعهم الجنسية الكويتية "شأنهم في ذلك شأن المواطنين"(ص377)

6. الاغتراب اللغوي:

    الافتراض المنطقي لمبحث كهذا، هو بحث الاغتراب اللغوي بالنسبة لشخصية كشخصية "هوزيه/ عيسى" في الكويت، غير أن عيسى لم يشكُ اغترابا لغويا قط، بل إنه على مدى عامين أو يزيد قضاهما في الكويت لم تدفعه الضرورة إلى تعلم اللغة العربية، والأكثر من ذلك أنه لم يكن يعدم في كل مرة من يجيد التحدث معه باللغة الإنجليزية، أو يُترجم له ما يُقال إلى الإنجليزية، أو اللجوء إلى لغة الإشارة في أسوأ الأحوال، ذلك اللجوء الذي ليس سوى تحد للغة، ففي اعتقاده أن الكلمة الطيبة لا تحتاج إلى كلمات. تشي بها الوجوه الطيبة وتصل إلى القلب مباشرة "الكلمات الطيبة لا تحتاج إلى ترجمة. يكفيك أن تنظر إلى وجه قائلها لتفهم مشاعره وإن كان يحدثك بلغة تجهلها"(ص354).

   أقول ذلك رغم اضطراره في مرات ثلاث إلى الدراية باللغة العربية، إحداها لمعرفة ما أراد أن يقول أبوه في روايته التي لم يتمها (ص277)، وثانية لمعرفة ما حدث في خيمة انتخابات عمته "هند"(ص377) وثالثة لرد إهانة وجهت إليه من شبان كويتيين ثلاثة عند بوابة المصعد، ليستنجد بكل الكلمات العربية التي التقطها فلم يسعفه إلا ببغاء جدته غنيمة بالكلمة التي كان يرددها كلما نادت الجدة اسم الخادمة الفلبينية لوزا(ص310). مواقف ثلاثة تنوعت بين الأدب والسياسة والاجتماع، مفردات تكوّن الحياة على أرض يراد لها أن تكون وطنا.

    وفي غير هذه المواقف، كانت حياته يسيرة من الناحية اللغوية، رغم أن اللغة هي المدخل للاندماج مع الآخر، وبوابة الاختلاط به عبر حاجته إلى التواصل[9]. ولكن السنعوسي يطرح إشكالية الاغتراب اللغوي على صعيد آخر، وهو اغتراب المجتمع الكويتي عن لغته، جسدت ذلك "خولة" بحديثها في الهاتف باللغة الإنجليزية، بحجة أنها تحبها في المحادثة أكثر العربية دون ضرورة ظاهرة، ليرد عليها "عيسى" : "يقول خوسيه ريزال: إن الذي لا يحب لغته الأم هو أسوأ من سمكة نتنة"(ص258)

    "هوزيه/ عيسى" أكثر ألفة مع نفسه فيما يتعلق باللغة، فالفلبينية تعيد إليه ما يفتقده في الكويت، فضلا عن أن لغة الكتابة تعيد المرء إلى هويته الأولى، فبها يتحرر من الزوائد ليكون نفسه كما يريدها في حديثه إليها، يقول: "قررت الكتابة بالفلبينية، وإن طابقت حروفها الحروف الإنجليزية"(ص388). إذ تتجسد الغربة اللغوية فيمن فضّل لغة أخرى مختارا دون ضرورة؛ ليصبح تلك السمكة النتنة التي تسبح في بحر المجتمع.

7. الاغتراب الفني:

    يقودنا الحديث عن الاغتراب الفني إلى بحث التقنيات التي أفضت إلى تجسيد صور الاغتراب التي تم تناولها في المباحث المتقدمة، فضلا عن حضور الغربة الفنية بجلائها على مستوى الشكل وعلى مستوى العلاقة بين النص ومبدعه. ولعل أول ما يستوقف القارئ لرواية "ساق البامبو" هي إشكالية العلاقة بين السنعوسي وروايته على مستويين:

     أما المستوى الأول فبسبب الاقتران البدهي (غير المبرر) الذي عادة ما يفتعله القارئ للربط بين النص السردي وكاتبه، في محاولة لإيجاد الشبه بينه وبين شخصية روايته، ولكنه اقتران يلتبس على القارئ هنا حتى أوقعه في ورطة السؤال: من هو الكاتب الحقيقي للنص؟ إذ إن كل المعطيات الظاهرية لا تفضي إلى السنعوسي كاتبا للعمل، بسبب الافتراض البنيوي للنص بأن الكاتب إنما هو شخصية الرواية التي لا تجيد العربية، فكتب سيرته الذاتية باللغة الفلبينية التي لا يعرفها السنعوسي، ثم يطل علينا المترجم (المفترض) الذي ترجم رواية "هوزيه ميندوزا"[10] من الفلبينية إلى العربية!

 
     فأين سعود السنعوسي في ظل هذا اللبس والإرباك؟

     لقد عمد السنعوسي إلى إيجاد ذريعة المترجم[11] ليبرر كتابته باللغة العربية عن شخصية لا تجيدها، وأسند مهمة المترجم إلى إحدى شخصيات الرواية "إبراهيم سلام"، وأدرج في فاتحة الرواية تعريفا به وكلمة عنه، توضح بعض ملابسات الترجمة التي عادة ما يفعلها المترجمون، وهو فعل كاد أن يسلب السنعوسي مجد نسبة روايته إليه، ولكنه آثر سلامة البناء الفني على كل ما عداه[12].

     وقد بدا أنه كان على السنعوسي أن ينتج رواية أقل مستوى جماليا عما هو الحال في رواية "ساق البامبو"؛ بسبب أن "هوزيه ميندوزا" لم يكن ليكتب رواية في الأساس حتى يكتب رواية بهذا النضج الفني الملفت[13]، إذ إنه لم يكمل تعلميه، كما أنه كما يقول: "أنا لست كاتبا، كما أنني لا أجيد العربية، ولا أظنني قادرا على كتابة نص طويل بالإنكليزية لأناس لا يقرأ أغلبهم هذه اللغة. فهل سأشرح للكويتيين حكايتي بالفلبينية؟"(ص326)

    أما المستوى الثاني، فيتمثل في السرد الذي يوظف لغة غاية في البساطة والرشاقة، غير أنها لغة تُدخل القارئ إلى العوالم المألوفة بلغة جديدة، تلك الجدة التي لا تسمي الأشياء بمسمياتها؛ بل تعيد اكتشافها من جديد في محاولة لمنحها أبعادا جديدة تستعيض بالأوصاف والإيحاءات عن اللغة المباشرة، وردّ الأشياء إلى بساطة المُشاهَد وعفويته وليس إلى الخلفية المعرفية والثقافية له، فالـ"العقال" ليس سوى "حلقة الرأس السوداء"، ورقصة السامري" تقترب في ملفوظها من "الساموراي" في الثقافية الآسيوية[14]، كما تكتفي بأوصاف رموز الكويت والعرب من الشخصيات التاريخية والثقافية والفنية، وتترك للقارئ مهمة التعرف عليها ما لم يرد في الهامش تعريف باسمها الصريح: "أشرت نحو صورة لامرأة بالنظارة الشمسية فاغرة فمها تغني أمام مايكروفون، تباعد بين ذراعيها وتحمل في إحدى كفيها منديلا. "من تكون؟"، سألت أختي. لم تعر اهتماما لسؤالي."(ص236). فتحول سؤاله إلى القارئ عندما لم تجب عليه خولة، فـصورة "أم كلثوم" تتموضع هناك بين الشخصيات التي حوتها غرفة مكتب "راشد الطاروف".

    وعلى صعيد الحوار في الرواية فقد عمد السنعوسي إلى جعل الحوارات قصيرة. تفتح شهية السرد عوضا عن الحوارات الطويلة المباشرة ما بين طرفين أو أكثر، فكل الأسئلة التي كان يبحث "عيسى" عن إجابة لها لا يسردها على لسان "خولة" أو "غسان" أو غيرهما، بل يصوغها نقلا عنهما سردا أقرب إلى المونولوغ الداخلي يسرده عيسى بنفسه، ليحتفظ بقصر الحوار ورشاقته، وبمحدودية الزمن الفعلي للحكي الذي يمثله الحوار، وفي سرده يقول أكثر مما يقوله الحوار، ففي سؤاله عن (البدون) لا يقول غسان كثيرا، ولكنه يقول أكثر في سرد "عيسى" نيابة عنه: "تعرفت، من خلال غسان، على نوع جديد وفريد من البشر. فصيلة جديدة ونادرة. اكتشفت أناسا أغرب من قبائل الأمازون، أو القبائل الأفريقية التي يتم اكتشافها بين حين وآخر. أناس ينتمون إلى مكان لا ينتمون إليه.. أو أناس لا ينتمون إلى مكان ينتمون إليه.. استعصت الفكرة على فهمي. أرهقت غسان في طلب التوضيح. وبعد محاولات عدة لتبسيط الفكرة، تمكن عقلي من هضمها بصعوبة"(ص192).

     السرد – أعلاه – المكمل لحوار سابق مقتضب، يقول أكثر مما كان سيقوله "غسان"، وأقل مما قال على حد سواء، مادام سرده معتمدا على ما فهمه "عيسى". ذلك الفهم الذي يعطي الموضوع أبعادا لا يبصرها إلا صاحب العين الأخرى القادمة من الخارج، إذ بهذا السرد وحده – بعد حوار قصير – تتحقق المعادلة المعكوسة بأن الفهم الدقيق يصنعه المستفهم نفسه، وليس المسؤول ما دام لا يملك عينا جديدة ينظر بها إلى الأشياء المألوفة حتى لو كان ضحيتها.

    فليس شأن الإجابة أن تقول الواقع، بل تبحث في العمق الإنساني المدفوع بسؤال المستكشف، وما رغبة الفهم التي تحرك "عيسى"، سوى رغبة فهم لواقع متناقض بهدف تحريكه في إطار من النقد الاجتماعي المشفوع بالجرأة.

     وقد تناولت بعض الكتابات النقدية طرحا من قبيل أن رواية "ساق البامبو" لم تعطِ قضية (البدون) حقها من المعالجة، ولم تحفر فيها بذاك العمق الإنساني المطلوب بسبب عدم إفساحها مجالا أوسع لغسان – بصفته ممثلا لهذه الفئة في الرواية – لمعاينة الأبعاد النفسية للقضية عبر شخصيته، ولكن السؤال – في إزاء هذا الطرح – هل كان يحتمل البناء الروائي شيئا إضافيا على هذا الصعيد؟ لاسيما أن هناك من يطالعنا بنقيض هذا الرأي، فيرى ساق البامبو بحثت في عمق قضية (البدون) على نحو لم يبلغه (البدون) أنفسهم عندما كتبوا عن قضيتهم[15]. فعلى أي الرأيين كانت "ساق البامبو"؟

    إن رواية مسرودة بصوت إحدى شخصياتها – دون أن ننسى صوت جوزافين في فصلها الأول وهي تسرد أحداث ما قبل ميلاد عيسى – لابد أن تلتزم الخط السردي نفسه الذي انتهجته حتى لا يُحدث التحول شرخا فنيا في البناء الروائي إذا ما انتقل الصوت إلى غسان، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الراوي "عيسى" شخصية جديدة على المجتمع الكويتي وقضاياه، وما كان لها أن تبحث القضية إلا بناء على ما يردها من معاينات ومعلومات ومشاهدات هي بمثابة الاكتشاف، فالقضية (دهشة) بالنسبة إليه، وغرابة أقرب إلى الاستنكار، وليس بحثا في التركيبة الاجتماعية التي يفترضها الباحث عن حضور أعمق للقضية.

     وفي المقابل، فإن عناصر: الاكتشاف، والدهشة، والاستغراب، وأخيرا الاستنكار، والمشفوعة كلها بالسؤال حفرت القضية في الاتجاه الرأسي، وليس الأفقي إذا كنا نعني بالأفقي المساحة المعبر عنها بعدد الصفحات أو الشخصيات أو غيرهما. يقول "عيسى" عن غسان في فقرة اختزلت القضية برمتها واقعيا وإنسانيا باستفهام استنكاري موشى بالسخرية غير المباشرة: "هو بدون، أكره هذه التسمية التي لا أفهمها رغم ترجمة غسان لها، هو بلا جنسية، خلق هكذا. لو كان سمكة سردين منشأها المحيط الأطلسي لأصبح سمكة أطلسية. لو كان طائرا في إحدى غابات الأمازون لأصبح طائرا أمازونيا. إما أن يولد أبواه في الكويت، ويولد هو الآخر حيث وُلدا، لا يعرف أرضا سواها، يعمل في سلكها العسكري، ويدافع عنها زمن الاحتلال.. فهو .. بدون!  بدون.. له خمسة إخوة كويتيين.. فلتوا هم، وسقط هو في ثغرة القانون"(ص192 – 193)

    وعلى نحو مشابه، فقد حوت "ساق البامبو" تفاصيل وأحداث كثيرة، جعلت منها رواية طويلة تمددت صفحاتها حتى أوشكت على الـ 400 صفحة، بيد أنها أحداث وتفصيلات استطاعت – رغم طولها – أن تسند البناء الروائي ولا ترهله، تكسبه ولا تنقصه، فنأت عن الإملال والإسهاب غير المستحب[16].

    أما بناء الشخصيات، فقد اشتغل السنعوسي على بناء شخصيته الرئيسية "هوزيه/عيسى" على نحو متوازن، فهو – هوزيه – رغم ما يعانيه من تشظٍ بين أكثر من وطن، وأكثر من دين، وأكثر من هوية، وأكثر من أم، إلا أنه كان شخصية على شيء غير قليل من المرح[17] على سبيل المعادلة بين المرارة والطرافة، بما أبعد صورة المعاناة المتجسدة عن البكائية المفرطة، لذلك فهي رواية تشتغل على تقنية التوازنات – وقد رأينا في مبحث الاغتراب الديني انبناء العمل على التوازن بين الأديان، وفي مبحثي الاغتراب المكاني والزماني كيف أنه وازن بين الحضور المكاني للفلبين بالحضور التاريخي للكويت – فيستعيد النص اعتداله بما لا يحرفه إلى جهة على حساب أخرى، مقدما للقارئ وجبة متعادلة في العناصر المكونة لها، وله إن أراد ترجيح ما يراه أهلا للرجحان، غير أنها رواية لا تنشد إلا التنويع القائم على واقع يحفل بالمختلفات.

     ولكنه فيما يتعلق بشخصية أخرى، هي شخصية ميرلا، وجدنا السنعوسي يرسمها أقرب إلى التطرف في ردود أفعالها وفي تعبيرها عن رفضها لواقعها الذي أوجدها فتاة وُلدت سفاحا من أب أوروبي ورثت منه ملامحه الأوروبية (ميستيزا/ الفتاة الفلبينية التي تحمل ملامح أوروبية)، ويدفعها كرهها للرجال لأن تتخذ لها خليلة (ماريا)، ثم تتحول عنها لتفكر في الانتحار، وهي شخصية رغم تطرف أفعالها، فقد أسهمت أقوالها في صنع توازن "هوزيه" الذي كان في المقابل سببا في إعادة توازنها، إذ هو الرجل الوحيد الذي تثق به، وهو الذي أصبح لاحقا زوجها في نهاية الرواية.

    أما الشخصيات المثقفة، فقد كانت ذات أدوار محدودة، وأفعالها ليست ذات تأثير مكتمل، فهي ليست سوى فكرة لم تنجز واقعا، وخير من يمثل الشخصيات المثقفة في "ساق البامبو" هما "راشد الطاروف" و"هند الطاروف"، فالأول منهما ترك عملا روائيا غير مكتمل مليء بالتناقضات، في محاولة لرفض تناقضات مجتمعه الذي عاش فيه غربة من نوع ما[18]، الأمر الذي يستدعي إعادة كتابة لصناعة واقع ثقافي جديد تقوده "خولة راشد"، ليضع الرهان في يد الأجيال التالية لبناء ما عجز الأسلاف عن إنجازه.

    أما هند فيتجاذبها التردد والحيرة، وحتى عندما أقدمت على الترشح للانتخابات البرلمانية فشلت في النجاح في مشروعها الحقوقي لتقرر بفشلها فشل المشروع الثقافي القادر على التغيير وتحقيق قيم المساواة والعدالة بين شرائح المجتمع المختلفة[19]، ويرجع الفشل إلى أن مجتمعا كاملا يقف وراء الحركات التنويرية أو حصول الحريات التي ليست المساواة إلا أحد شروطها، فالواقع كما وصفته جوزافين لـ هوزيه: "لم يكن في يد أبيك، لأن مجتمعا بأكمله يقف وراءه"(ص77)

    ولما كان المجانين هم وجه الكويت التي أحب عيسى، فقد حرص السنعوسي على أن يجمع في شخصيات المجانين الخمسة التنوع والاختلاف والتناقض الذي استطاع أن يخلق فيما بينهم الانسجام كما ينشده، فهم مزيج من طبقات اجتماعية مختلفة، ومن مذاهب عدة، فبينهم السني والشيعي، وفيهم المتدين وغير المبالي، ولكن تجمعهم قواسم مشتركة، يجمعهم حب الكويت التي ليست للبيع، وإلى ذلك فهم محبون للحياة ومرحون، هم الكويت التي استوعبت اختلاف ملامحه ورتقت تشرده، وكانت قلوبهم لروحه وطن: "إن لفظت الديار أجسادنا.. قلوب الأصدقاء لأرواحنا أوطان"(ص391)

     هذا، وتعد رواية ساق البامبو سيرة ذاتية لشخصية متخيلة، استطاعت أن تعيد القارئ في صفحتها الأخيرة إلى صفحتها الأولى، ليس بسبب تقنية التدوير وحسب التي استخدمها السنعوسي بقوله على لسان هوزيه في النهاية كما في البداية: "اسميJose، هكذا يكتب. ننطقه في الفلبين، كما في الإنكليزية، هوزيه. وفي العربية يصبح، كما في الإسبانية، خوسيه. وفي البرتغالية يكتب بالحروف ذاتها ولكنه ينطق جوزيه. أما هنا، في الكويت، فلا شأن لكل تلك الأسماء باسمي حيث هو.. عيسى!"، ولكنها عودة إلى المفتتح الذي حسم الظاهر ليختار الفلبين جسدا ولكن في روحه يبقى متسع نصفه للكويت، متخذا من تعادل منتخبي الكويت والفلبين في مباراة كرة القدم معادلا نفسيا لما يشعر به ويعانيه: "لا أريد أن أفقد توازني. لا أريد أن أخسرني ولا أكسبني.. بهذه النتيجة أنا .. متعادل"(ص396). ويختار "هوزيه" اسما، ولكن امتداده المتمثل في ولده من ميرالا ما هو إلا "راشد" الاسم العربي. وعاد يحمل الإسلام في ثلث وجدانه وقد سبقته إليه المسيحية والبوذية، وما زواجه من (ميرلا) الكاثوليكية إلا تأكيد للامتزاج الديني الذي ارتضاه لنفسه[20]، في الوقت الذي ارتضت فيه ميرلا دين الريزاليستا دينا لها (ص282). كما أنها نهاية تشكل الحلقة التي تدور حول نفسها في حدث متكرر ومع أشخاص آخرين، ليصح تسميتها بالظاهرة (هوزيه/ نصف الكويتي) بمعاناته وتشظيه بحثا عن هوية مفقودة، لا يبدو أن العثور عليها بالمتيسر لمن كان قدره أن يعيش مثله.

 

أخيرا:

1.     تبدو رواية ساق البامبو رواية متناسلة، تطرح مجموعة من التساؤلات التي تبقي الرواية مفتوحة وغير مفتوحة في آن، بسبب من الامتداد الذي ترسمه تكريسا لثيمة البحث عن الهوية المفقودة، ويتمثل هذا التناسل في ابن هوزيه "راشد عيسى راشد عيسى الطاروف" الذي قال عنه هوزيه "ولدي الذي توقعت أن يأتي بعينين زرقاوان[21] وبشرة بيضاء جاء بملامح مغايرة.. بسمرة عربية وعينين واسعتين تشبهان عيني عمته .. خولة"(ص395) وهو ما يجعل القارئ يسأل: إذا كانت الملامح الفلبينية حالت دون ذوبان "عيسى" في المجتمع الكويتي ودون تقبل عائلته له، تلك التي أول ما سألت عنه لدى عودته: كيف هي ملامح ابن الفلبينية – على لسان جدته – فيرد عليها غسان: فلبينية. أليس يتيح احتمالا بأن يتم قبوله فيما لو حمل وجها عربيا؟ فها هو حفيد راشد يحمل تلك الملامح التي أخطأت هوزيه وأصابت ولده في امتداد لسلسة العائلة التي انقطعت ولم يعد من واصل لها سوى البذرة الهجينة من نسل راشد الطاروف، فهو، بعد كل شيء، راشد عيسى راشد عيسى الطاروف. إنه سؤال مفتوح وليس من شأن الرواية أن تجيب عنه، بل إنه سؤال موجه إلى المجتمع الكويتي نفسه!

     كما تتبدى تناسلية الرواية في مشروع رواية "راشد الطاروف" الروائي غير المكتمل، ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه القارئ رواية لراشد تعاد كتابتها عبر "خولة راشد" يفاجأ برواية بدأ يقرأها مكتوبة باسم "هوزيه ميندوزا"، فتنشأ إمكانية ميلاد رواية أخرى بدأت بذورها في ساق البامبو عبر شخصية "راشد" وتتقاطع في خيوطها وشخصياتها مع عمل روائي آخر منجز هو "إحداثيات زمن العزلة" للروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل الذي وظفه السنعوسي في أحداث روايته، فهو كما يقول عنه إسماعيل حسب الرواية التي بين أيدينا: "هذه رواية تسجيلية لنشاطنا وأحداثه في أشهر الاحتلال السبعة.. شرعت في كتابتها منذ ما يربو على الخمسة أعوام.. والغريب في الأمر.. (...) ليلة البارحة فقط .. انتهى دور راشد فيها واقعا في أسر قوات الاحتلال"(ص99)

     فهل سيعقد السنعوسي خيوط رواية جديدة تنطلق من تشابك هذه المعطيات لنشهد ميلاد ثنائية من نوع ما؟

2.     جاءت رواية "ساق البامبو" لتشرع الباب واسعا في وجه كثير من المفاهيم والأنماط الاجتماعية خليجيا، فقد بدا أن الحلم الخليجي الرومانسي القديم بأن يعود كل شيء خليجيا صرفا كما كان قد انتهى[22]، في ظل هذا التمازج العرقي والانفتاح على العالم، الذي لم يعد مقتصرا على العمالة الوافدة وحدها، فما "عيسى" أو "هوزيه" سوى نموذج لظاهرة لا يُعلم مداها، متسائلا على سبيل التوسع المنطقي - الذي رشح عنه الراهن الخليجي - ماذا إذا مجانين بوراكاي في صيفهم التالي "سيصادفون نصف كويتي على شواطئ تلك الدول؟ الله وحده يعلم!"(ص385)، فهل يجوز بعد ذلك (إنسانيا) إلغاء هذه الفئة التي تحمل نصف الهوية الخليجية تحت أستار حلم لم يسعَ الخليجيون أنفسهم لتحقيقه بقدر ما سعوا لتعميق العائق دونه؟

3.     تقدم رواية ساق البامبو نموذجا تطبيقيا للدعوة التي أطلقت قبل مدة من الزمن بأنه آن للكاتب العربي أن يتجه شرقا بحثا عن عوالم إبداعية ثرّة، بعد أن كفت أوروبا عن تقديم المدهش لفرط الاستهلاك الذي تمثلته طويلا في أدبنا العربي، تحت ذرائع ومسميات وشعارات كثيرة، ليس أولها الاستعمار وليس آخرها حوار الحضارات ومقتضيات العولمة، تستتر وراءها مقولة ابن خلدون بأن المغلوب أبدا مفتون بالغالب. ولعل الجديد الذي قدمته ساق البامبو هو هذا الاتجاه شرقا بحثا عن آفاق لم تطرق موضوعيا ومعرفيا وفنيا، في رواية نقدية على المستوى الاجتماعي والديني والسياسي للواقع الخليجي عموما من خلال قطر من أقطاره منظورا إليه بعين الآخر: المحتقر – المرفوض – الغريب في رحلة بحثه عن الاندماج فيما هو له وجزء منه.
 
4.     كما أنها - في ظل التهافت على كتابة الرواية من جيل الشباب – الأمر الذي أحدث طفرة في عالم الرواية خليجيا على المستوى الكمي غالبا والمستوى الإبداعي على المستوى الأقل، قدمت رواية ساق البامبو الروائي العارف، وليس الروائي الكاتب، فالمعرفة هي ما ساقت ساق البامبو إلى جائزة البوكر، حيث إنها رواية طبخت على مهل وأناة، واشتغلت على الجانب البحثي لتقدم صورة الروائي الباحث، الذي استطاع أن يقدم المعلومة غير المقحمة على النص الأدبي الشائق، فجاءت مزيجا بين الأدب والمعلومة، لتجعل القارئ – في حالة استثنائية – حائرا ما بين الحقيقة والخيال[23]، محققا بذلك المعادلة الصعبة: إرضاء النقاد وإمتاع القراء.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
[8] الجرجاني: التعريفات، تحقيق عبد المنعم خفاجي، القاهرة، دار الرشاد، 1991، ص190

[9] ناقش هذا الموضوع جون حوزيف في كتابه "اللغة والهوية: قومية – إثنية - دينية"، ترجمة عبد النور خراقي، الكويت، عالم المعرفة، 2007م، انظر ص118 وما بعدها.

[10] من أمثلة تورط القارئ في بحثه لمعرفة المؤلف الحقيقي لساق البامبو، أن هناك من كان يبحث في محركات البحث الإلكترونية عن روائي فلبيني يدعى "هوزيه ميندوزا"!

[11] هناك من الروائيين من استفاد من هذه التقنية السردية كيوسف زيدان في روايته "عزازيل" – على سبيل المثال -  والروائي الفرنسي "جيلبرت سينويه" في روايته "ابن سينا". وقد ناقش هذا بالتفصيل د. عبدالله إبراهيم في كتابه "السرد، والاعتراف، والهوية"، الأردن، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2011، ص 282 وما بعدها.

[12] هناك من أرجع ذلك إلى الحيلة التي اعتمدها السنعوسي ليرد عن نفسه تبعات الجرأة النقدية للمجتمع الكويتي كما تناولتها روايته.

[13] أشار إلى هذه الملاحظة الدكتور/ عبدالله رضوان في مقال نقدي له عن ساق البامبو نشر في موقع زيتونةhttp://www.zaitona.net/news-11,N-6728.html. وقد وصف ذلك بالعيب البنيوي، مستغربا عدم انتباه لجنة تحكيم جائزة البوكر إليه.

[14] وقد كان من بين من أشار إلى هذه الملاحظة أيضا الدكتور إحسان اللواتي خلال استضافة السنعوسي في فعاليات الملتقى الأدبي التاسع عشر بولاية خصب في الـ9 من سبتمبر 2013م.

[15] أشارت إلى ذلك الناقدة الكويتية سعاد العنزي في مجموعة تغريدات لها في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": @ad81_su

[16] رغم ذهاب بعض النقاد والمبدعين إلى أن الرواية عانت من الإطالة والتكرار واحتشادها بالفائض، وهو ما لا تتفق معه هذه الورقة، إذ تراه نوعا من محاكمة العمل بناء على عمل سابق للمؤلف نفسه، ذلك هو "سجين المرايا" العمل الروائي الأول للسنعوسي، الذي قال عنه إنه كان عملا للتدرب على الكتابة الروائية، وسرعان ما تجاوزه لينتج عملا آخر استحق عليه جائزة البوكر..

[17] وقد كان الناقد عبد العزيز الموسى ممن أشار إلى هذه الملاحظة في مقال له في جريدة الأيام البحرينية حمل عنوان "الانتماء والهوية في زمن التيه"، العدد 8895، 17 أغسطس 2013م

[18] راجع مبحث الاغتراب السياسي من هذه الورقة.

[19] وقد أشار سعود السنعوسي إلى ذلك في فعالية الملتقى الأدبي الـ19بخصب في هذا السياق من أن المثقف العربي عموما ليس مؤثرا أو فاعلا، وأدواره محدودة، وهو ما يفرقه عن شخصية مثقفة فلبينية كشخصية "خوزيه ريزال" الذي برواية واحدة تسبب في طرد الاستعمار من بلاده وتحريرها.

[20] ذكر السنعوسي في ندوته بخصب، أن والده بعد قراءته للعمل طلب إليه أن يُدخل هوزيه في الإسلام قبل عودته إلى الفلبين، ولكن السنعوسي أبى استجابة لدواعي النص التي اقتضت ذلك.

[21] هكذا، والصواب: زرقاوين.

[22] طرح هذه الرؤية الشاعر والناقد البحريني كريم رضي في محاورة حول "ساق البامبو" في مجموعة عبر تقنية الواتس اب التواصلية.

[23] يحكي عدد من القراء في مواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي تجربتهم مع الرواية التي جعلتهم يهرعون إلى محرك البحث (جوجل) ليتأكدوا من واقعية وجود بعض الأماكن والشخصيات والمعلومات على نحو قلما يفعله عمل أدبي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق