الاثنين، 10 أغسطس 2015

أمضي

أمضي - 2007

منى بنت حبراس السليمية

     أحمل غربتي وأمضي. أملأ حقيبتي بألوان تناقضاتي وأمضي. أضعها في المقعد الخلفي لسيارة أخي الذي تشاجرت معه البارحة؛ لأنني لم أجد غير سيارته لأذهب بها إلى الجامعة – وأمضي.

    الغربة تسير معي في ممرات الجامعة كظلي. أسمع خطوات أقدامها الثقيلة بجانبي، يا إلهي! كيف أضعت قدرتي على تحديد مصدر الصوت؟! هذا الطرق هنا يسير على قلبي!

    يقال إن القلب لفرط ما يتألم لن يعود يشعر بالألم، بل يحسه في مكان آخر غير نفسه، يسمعه فقط. ألقسوة الطرق ظننت أن الطرق بجواري لا فيّ؟

    اخترت سليمان المعمري لأقرأه في أشيائه التي تبدو أقرب مما هي في المرآه! وخطفت كتابين لزكي نجيب محمود، ورحلة ابن فطومة، و"حنّا مينا" في سؤاله "كيف حملت القلم؟" ترى أممكن أن يكون لسؤال كهذا إجابة؟! هأنا أخط خربشاتي كما أفعل دوما، ولم يعن لي مرة السؤال كيف فعلت؟!

    لا يهم!!

    سأغادر مقعدي الآن لأسافر إلى خان الخليلي. سامحك الله يا "محمد بن سيف الرحبي"، كيف أشعلت بداخلي ثورة السفر هكذا فجأة في سطور؟ أكان لـ (شذى الأمكنة) هذه القدرة الباذخة على إيقاظ أحلام الرحيل؟ أم أن الرحيل بداخلي وإنما أوجدتَ له شبها حقيقيا في سطورك؟

    لولا قدرتك على السفر بي بين كماتك لما غفرت لك إلا بعد أن تتعهد بدفع ثمن تذاكر سفري إلى اليمن ومصر وسوريا، وسأمنحك فرصة عام لتتدبر لي ثمن تذاكر سفري إلى اليابان وألمانيا وبريطانيا.

    رفيقة أنا بك، بقدر ما كنت رفيقا بي فجعلت من شذى الأمكنة طائرة أسافر على مقاعدها مقتفية آثار خطاك!

    ومازلت في اليمن، لعلي أستطيع إقناع والدي باجتياز الحدود عبر صلالة هذا الخريف، فألتقي بآثار خطاك في صنعاء ومحيوت. وأعدك بألا آكل القات! ليس للعصارة الخضراء التي تقززت منها عندما رأيتها في فم تلوك وريقاته، ولكن لأنني كرهت اللون الأخضر في الطعام مذ كنت في الصف الثالث الابتدائي، عندما أكلت عشبة من الوادي ألزمتني غسيل معدة!

    ومازالت الغربة تمزقني، فلأغترف من الكتب المنثورة أمامي ما يروي روحي فتكف عن إحساسها بالاغتراب! رغم إجازة الصيف الطويلة قررت أن أعسكر في الجامعة؛ لأكون ملكا لنفسي فإذا بالغربة تتملكني!

   ما أتعس الإنسان! كلما تحرر من مالك وقع في قبضة آخر. فالحرية فكرة ليس القيد نقيضها بالضرورة، ولكن عبثية تجسدها واقعا توأمها دائما!

   بدا أن الحل الأخير أن أسلم نفسي لزكي نجيب محمود؛ لأنني لا أنشد السكينة في الختام؛ فوحده يثير ويُهدِّئ. يُغضب ويُرضي. يريك ألوانك في جلسة واحدة! وأنا التي لا لون لي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق