الاثنين، 24 أغسطس 2015

برقية

برقية

منى بنت حبراس السليمية

     أعرف أني تأخرت كثيرا قبل أن أفعل، فقد مضت سبعة أعوام منذ انتقالك إلى هناك، واليوم فقط فكرت أن أبعث لك ببرقية تهنئة. سبعة أعوام تفصل بين عالمينا، ولكنها مليئة بما لا تعرف، وأجدني اليوم راغبة في أن أخبرك بكل شيء حدث منذ ذلك الحين. منذ الخامس والعشرين من أغسطس من عام 2008م. أفعل ذلك ربما لأنك تأبى أن تجهل ما يحدث في هذا العالم، ولكن هل حقا لا تعرف؟!

     دعنا نفترض أنك لا تدري، فمن أين نبدأ سرد الحكايات؟

     سأبدأ من حيث انتهيت، وربما قبله بأسابيع، آخر حدثين شهدتَهما: كنت متعبا، ولكنك تابعت بحرص صفقة تبادل الأسرى اللبنانيين في يوليو من عام 2008، وشهدت أول ظهور لسمير القنطار مبادَلا بتابوتين لأسيرين إسرائيليين اختطفهما حزب الله في 12 من شهر يوليو من عام 2006. عامان كاملان لم يكن في العالم أحداث أكبر ولا أصغر. يوم ذاك كنت ممدا على السرير، ولكنك حاضر الذهن تماما.

    أما الحدث الآخر، فكان موت محمود درويش، وكنت ممددا أيضا، ولكن هذه المرة على سرير المشفى، ولم تعرف بعده حدثا آخر. سافرت وعدت ولم تعِ من القصة شيئا، وودعناك واستقبلناك ووحدنا نعرف بقية التفاصيل.

    ما الذي يهمك أكثر فأخبرك به؟

    حسنا يا أبي، مر علينا صيف عصف بالعرب سُمي ربيعا، ولكنه خلّف الدنيا خريفا. هل أخبرك بمن سقط من الحكام العرب، ومن هرب، ومن اغتيل، ومن خُلع، ومن عُزل، ومن بقي؟ هل أخبرك بأن حربا من فوقنا وحربا من أسفل منا ونحن بين فكيهما معلقون لا نعرف إلى أين سيؤول المصير؟ هل أخبرك أن ماردا أهوج نبت فجأة يشبه القاعدة ولا يشبهها تَسمّى بالدولة الإسلامية يحرّك لعبة العالم؟ هل أقول لك إننا ما عدنا نحلم بعالم أجمل بقدر ما أصبحنا نسأل الله ألا يطولنا شيء من شرر الصراعات حولنا؟ هل كنت تعرف بكل هذا يا أبي؟

     في هذه اللحظة بالذات أيقنت أنك تستحق التهنئة؛ لأنك غادرت قبل أن تشهد هذا الخراب، وأنك أغمضت عينيك على أحداث بعضها يحمل فرحا، وأخرى محتومة برسم القدر، ولم تر ما رأيناه من عواصف وأحداث تُدني الأجَل.

     أعرف أنك ستسألني عن عُمان، حبيبتك التي كتبت فيها أجمل قصائدك. عمانك بخير. تأثرت قليلا بهبوب الخريف العربي، ولكنها تمكنت من الوقوف  سريعا. كما أنها خرجت من صمتها أكثر من مرة وقالت (لا). هل كنت تتوقع ذلك؟ نعم فعلتها كما فعلتها من قبل، ولكنها هذه المرة أسمعت ودوّت. وهل تدري أنها أسهمت في صلح تاريخي بين أمريكا وإيران؟ نعم يا أبي .. صدّق، لقد فعلتها، وتحاول أن تقود إلى حل للحرب الدائرة في (اليمن)!

     كأني بك الآن تشهق من الخبر الصاعقة .. نعم يا أبي، حرب في اليمن يقودها تحالف عربي قيل مكون من 11 دولة، وقيل أكثر من ذلك وقيل أقل. وبتنا نشهد تفجيرات في المساجد هنا وهناك، هل تصدق أن هذه التفجيرات وقعت في مساجد داخل السعودية والكويت!!

      ما كنت أريد أن أزعجك بكل هذا يا أبي، ولكن هناك خبر آخر: البترول يهوي بسرعة الصاروخ. وصل اليوم إلى 40 دولارا للبرميل، والأيدي على القلوب تسأل الله ألا (يرخص) أكثر كي لا نخسر ما لا نتخيلنا بدونه. أقول لك كل هذا كي أهنئك؛ لأنك رحلت في التوقيت المناسب تماما قبل أن تبدأ سلسلة الأوجاع هذه.

    الخبر الأخير: أصبح لك من الأحفاد أحد عشر، بعدما كانوا ستة يوم غادرت. يتأملون صورتك كل يوم ويدعون لك بجنة عرضها السماوات والأرض، ونحن من خلفهم نردد: آمين

أرسلت في 25 من أغسطس 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق